قارن بين العلم والفلسفة (خاصة بالعلميين واللغات)


كيف يمكن التمييز بين العلم والفلسفة؟

مقدمة: يحتاج الإنسان في تواصله مع العالم الخارجي إلى آليات تمكنه من ترجمة عالمه الداخلي المتمثل في الفكر،حيث أن الفكر هو الحياة الخاصة التي من خلالها يتطلع الإنسان إلى تأمل واقعه المعاش ويحلله،حيث يتميز التفكير الإنساني بشكل عام بتعدد مبادئه و تنوع مناهجه،منها التفكير العلمي الذي هو كم متميز من الدراسة النظرية للواقع محاولا معرفة الشروط  و القوانين المتحكمة فيه ، وقد كان لهذا التفكير الدور البارز في انتقال الإنسان من طور التوحش و البداوة إلى طور التقدم و الحضارة ،إلا أن التفكير الفلسفي هو الآخر مثل خصوصية الإنسان و ميز وجوده الفاعل في الكون باعتباره كائنا مفكرا و متأملا في الوجود مما أدى بالبعض إلى النظر إلى العلم على أنه نتيجة من نتائج التفكير الفلسفي، غير أن مفهومي العلم والفلسفة يدفعاننا إلى بحث العلاقة بينهما وطرح التساؤل التالي:ما هي أوجه الاختلاف وأوجه و أوجه التشابه وأوجه التداخل الموجودة بين التفكير العلمي و التفكير الفلسفي ؟ وبعبارة أخرى : ما هي العلاقة الموجودة بين العلم والفلسفة؟


أوجه الاختلاف:
من أوجه الاختلاف بين العلم والفلسفة، اختلافهما من حيث الموضوع والمنهج والغاية، فإذا كان موضوع الفلسفة هو الميتافيزيقا والتي تعني ما بعد الطبيعة أي المواضيع المجردة والخاضعة للتأمل مثل:الحرية،الديمقراطية
،الروحانيات،القضاء والقدر...،فإن موضوع العلم هو الفيزيقا أي المواضيع المحسوسة مثل:المادة،الذرة،الجماد...،واختلافهما في الموضوع يحيل بنا إلى التأكيد على منهج كل منهما،فالفلسفة تعتمد على المنهج التأملي العقلي،إذ الفيلسوف يعتمد على الاستنتاج الذي هو عملية عقلية ينتقل فيها الفكر من العام إلى الخاص، بينما العلم فيعتمد على المنهج التجريبي الذي يتشكل من :

الملاحظة : هي عبارة عن مشاهدة لظاهرة ومتابعة لكل مراحلها و تتميز الملاحظة العلمية بما يلي:
          - تتجاوز مجرد المشاهدة فهي انتباه وتركيز وإدراك عقلي
          - مجهزة بأجهزة علمية تعتبر امتدادا لحواس البحث
          - تعتمد علي التقدير الكمي وقد تكون كمية
          - موضوعية تنقل الواقع كما هو بعيدة عن الاعتبارات الشخصية والذاتية
و الفرضية :  هي تلك الفكرة التي يقدمها العالم انطلاقا من ملاحظاته  ، وهي تفسير مؤقت لظاهرة فهي ظن وتخمين أو مشروع قانون يحدد لنا الكيفية التي سوف يتم بها الأجراء التجريبي ،ولكي تكون الفرضية علمية يجب احترام مايلي :
         -  أن تكون قابلة لتحقق التجريبي .
         -  ألا تحتوى علي تناقض داخلي وأن لا تتعارض مع ما أقره العلم  بصورة  "مطلقة ".    
         -  فالرياضي لوفيري كتشف كوكب أورانوس ففسر ذلك بوجود وافتراض كوكب آخر غير معروف فحدد موقعه وكتلته وأبعاده.
و التجريب: هي أحداث واقعة علمية في  شروط مخبريه اصطناعية يحددها الباحث ، لهذا يقول كلود برنارد :"إن التجريب هو الوسيلة الوحيدة التي نملكها لنتطلع  على طبيعة الأشياء التي هي خارجة عنا " و لكي  تنجح التجربة لابد أن يسلم المجرب بالمبادئ و الشروط التالية :   
        - التكرار من أجل التحكم في معطيات التجربة
   - العزل أي استبعاد أكبر قدر من المؤثرات الخارجية لأن هناك عوائق إبستيمولوجية يواجهها التجريب العلمي .                 
        - الاعتماد علي الوسائل والأجهزة العلمية الدقيقة وصيانتها
        - الموضوعية واستخدام الرياضيات وأساليب القياس الكمي.

وأخيرا القانون العلمي الذي هو المرحلة النهائية لما وصل إليه العالم من خلال الخطوات الأولى للتجريب،وهو يمتاز بكونه قانون عام وشامل يصدق على جميع العناصر الجزئية الأخرى.
وتتناول الفلسفة مسائلها بطريقة وصفية كيفية بينما يعتمد العلم على طريقة التكميم  و صياغة نتائج التجارب العملية صياغة رياضية مضبوطة ، أمّا من ناحية الشمولية و العموم ، فإن ميدان الفلسفة أشمل بكثير من ميدان العلم ، لأنها تشتمل مباحث الوجود و القيم و المعرفة ، بينما لا يتجاوز مجال العلم ميدان الابستمولوجيا .

أوجه التشابه:من أوجه الاتفاق الرئيسية بين العلم و الفلسفة أن: كل منهما يمثل فاعلية فكرية إنسانية تتسم بالشمولية والتعدد ، فمن حيث المنهج فإن كل من الفلسفة و العلم يقتضي عدم التحيز نظرا لما يتسمان به من موضوعية و حياد ،  و ينم ذلك عن اشتراك في الدافع إليهما من حيث الميل الطبيعي في الإنسان إلى التطلع وحب الاكتشاف المتجسد في الفضول المعرفي لمواجهة العجز في فهم بعض مسائل الوجود،من جانب آخر لا تقدم الفلسفة و لا العلم إلا إجابات تقريبية ونسبية للإشكاليات التي تواجه الإنسان و بالتالي يشتركان في عدم قطعية نتائجهما ،وهما ميدانين يهتمان باستقصاء الحقيقة المرتبطة بالعالم الخارجي والتي تصبح معرفة تمكن المجتمعات من بناء حضاراتها والتكيف مع الواقع.


أوجه التداخل:إن العلاقة بين الفلسفة و العلم هي علاقة اتصال متبادل بينهما، لذلك قيل : " تبدأ الفلسفة عندما ينتهي العلم " ، و هذا يعني أن المواضيع العلمية قبل أن تكون كذلك إنما كانت مواضيع فلسفية في الأساس و الأصل ، لذلك قال هيجل : " إن الفلسفة تظهر في المساء بعد أن يكون العلم قد ولد في الفجر " ، و هذا تعبير واضح عن مبحث الابستيمولوجيا الذي يتجسد فيه التلاحم الوثيق و الارتباط الضروري بين العلم و الفلسفة و من هنا تكون العلاقة بينهما علاقة تداخل ، يقول لويس ألتوسير : " لا يلاحظ وجود الفلسفة إلا في عالم يحتوي على ما نسميه علما " . 

الرأي الشخصي: إني أرى بدوري أن العلاقة الموجودة بين العلم والفلسفة هي علاقة اتصال وظيفي متبادل بينهما إذ لا يمكننا الفصل بين العلم والفلسفة


خاتمة:نستنتج أن بين الفلسفة و العلم علاقة تكامل وظيفي من حيث أن كل منهما يستجيب لدواعي فكرية و ذهنية تميز الوجود الإنساني الفاعل من حيث هو كائن مفكر .


تعليقات

  1. كان مقالا في القمة شكرا

    ردحذف
  2. الردود
    1. كيف دالك ولكن اوجه التشابه غامضة ولكن علا العموم جيد شكرا علي المقال الممتع ولكن ارجوا تصحيح الخطأ

      حذف
  3. شكرا على هذه المعلومات الثمينة المليئة بكم هائل من الأفكار المتنوعة.

    ردحذف
  4. شكرا جزيلا و بارك الله فيك

    ردحذف
  5. شكرا لكم بحث غني بالمعلومات حفظكم الله

    ردحذف
  6. شكرا شكرا شكراااا 💚

    ردحذف
  7. روعة مقال بجنن شكرا جزيلا

    ردحذف
  8. شكرا على مجهودك مقالة فلسفية رائعة

    ردحذف
  9. رائع جدا جدا
    شكرا لك على هذا المقال

    ردحذف
  10. مقالة رائعة جدا جدا بارك الله فيك وجعلها من ميزان حسناتك يارب

    ردحذف
  11. شكرا جزيلا لكم على هذا المقال

    ردحذف
  12. مقالة ما شاء الله و شكرا

    ردحذف
  13. مقالة ما شاء الله و شكر

    ردحذف
  14. رائع جدا

    ردحذف
  15. شكرا شكرااااا على لمقال الرائع

    ردحذف
  16. شكرا لك على المقالة

    ردحذف
  17. شكرا على المقال

    ردحذف
  18. مشاء الله مقال رووعة

    ردحذف
  19. شكرا جزيلا 😁

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية؟

هل معيار الحقيقة العمل النافع أم تأمل الإنسان لعالمه الداخلي؟