ل أصل المعرفة العقل أم التجربة؟


هل أصل المعرفة العقل أم التجربة؟
مقدمة:
    عرفت الفلسفة الحديثة خاصة في القرنين17/18م. جدالا بين العقلانيين و التجريبيين حول طبيعة المعرفة ، فالمدرسة العقلانية تؤكد فطرية المعرفة الإنسانية في حين أن المدرسة الحسية ترفض فطرية المعرفة وتؤكد على أن الإنسان يكتسبها من العالم الخارجين وهذا الجدال حول المعرفة يشدنا إلى طرح التساؤل التالي:هل مصدر المعرفة عقلي أم حسي ؟ وبعبارة أخرى هل المعرفة  فطرية أم مكتسبة؟
الموقف الأول: ترى النزعة العقلانية أن مصدر المعرفة هو العقل وليس الحواس ،ذلك أن العقل يحتضن جميع المعارف و الحقائق، و هذه الحقائق كلية و صادقة و واضحة و سابقة لكل تجربة.وأهم رواد المذهب العقلي: مؤسس المدرسة العقلية روني ديكارت و تلامذته :باروخ سبينوزا ، نقولا مالبرانش ، جوتفريد ليبنيتز،وقد أكد زعماء المدرسة العقلية موقفهم بعدة حجج أهمها: أنه مادام العقل ميزة انسانية فهو قوة فطرية لدى جميع الناس ، باعتباره ملكة ذهنية يستطيع الإنسان بواسطتها ادراك المعارف والحقائق وإصدار الأحكام قبليا بمعنى ان الإنسان يحكم على الأشياء قبل أي عملية حسية (الحكم أسبق من التجربة) لأن العالم الخارجي موجود في ذهن الإنسان فطريا أو وراثيا. كما أن الحواس كاذبة لأنها لا تعطينا معارف موثوقا فيها كالمشي في الظلام مثلا. حيث يقول ديكارت:"...غير أنني اختبرت أحيانا هذه الحواس فوجدتها خادعة".والعقل ليس صفحة بيضاء كما يزعم الحسيون بل يمتاز بكونه فطري يصدر أحكاما يقينية مباشرة وضرورية بعيدا عن كل تجربة حسية وبالتالي ستكون المعرفة العقلية بديهية بالضرورة حيث يقول ديكارت:"...أن لا أقبل شيئا على أنه حق ما لم يتحقق بالبداهة أنه كذلك."ولهذا كان الكوجيتو الديكارتي القائل:"أنا أفكر إذن فأنا موجود" الدليل على عقلانية المعارف وليس حسيتها ذلك أن الحيوانات أيضا تملك حواسا لكنها لا تستطيع التفكير مثل الإنسان لهذا يقول روني ديكارت مؤكدا موقفه:"...العقل هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس، إذ يعتقد كل فرد أنه أوتي منه الكفاية...يتساوى بين كل الناس بالفطرة".
النقد: لكن المدرسة العقلية قد بالغت عندما ركزت على العقل كمصدر وحيد للمعرفة وإهمالها للحواس كمصدر مباشر نكتسب من خلاله المعرفة عن العالم الخارجي الذي نتعامل معه، بدليل أنه من فقد حسا قد فقد علما، حيث نجد أن الفاقد لحاسة السمع لا يملك معرفة عن الأصوات والموسيقى ، ويصدق ذلك على الفاقد للحواس الأربع الأخرى(الشم، الذوق، اللمس، الرؤية).

الموقف الثاني: ترى النزعة التجريبية أو الحسية أن مصدر المعرفة الحواس وليس العقل، ذلك ان الحواس هي من تمكننا من الاتصال بالعالم الخارجي ، وتقدم للإنسان معارف يكتسبها عن طريق الحس فقط.والحقيقة الحسية جزئية ، مكتسبة، بعدية ، لابد من التجربة أولا ثم نحكم على الأشياء. وأهم رواد المذهب التجريبي أو الحسي : مؤسس المذهب التجريبي فرانسيس بيكون، جون لوك،دافيد هيوم ،جون ستيوارت مل. وقد أكد زعماء المدرسة الحسية(التجريبية) موقفهم بعدة حجج اهمها:أن المصدر الجوهري للمعرفة هو التجربة وليس العقل، ذلك ان العقل عبارة عن صفحة بيضاء ولا يستطيع تكوين معرفة عن العالم الخارجي فهو عبارة عن وعاء فارغ،حيث يرفض التجريبيون التسليم بالأفكار الفطرية الموروثة، ، كما أننا نعرف الملموس قبل المجرد،فلو كانت هناك أفكارا فطرية موروثة في العقل لتساوى جميع الناس في المعارف في كل زمان ومكان.العلم في كل صوره يرتد إلى التجربة أو الحواس حيث يقول جون لوك: " ليس في العقل شيء جديد إلا وقد سبق وجوده في الحس أولا فمن فقد الحاسة فقد المعاني المتعلقة بها."
فالمعرفة التجريبية في عمومها تقوم على أحكام بعدية تتم من خلال القيام بالتجربة أولا ثم نحكم على الأشياء، كما تصادر بان الحواس هي المصدر الأول لاكتساب أي معرفة وذلك في قول جون لوك:"...لنفرض أن العقل صفحة بيضاء خالية من جميع الصفات، فكيف يمكن أن يكتسب الإنسان ذلك؟ إني أجيب عن هذا السؤال بكلمة واحدة : بالتجربة، فهي أساس كل معارف الإنسان."

النقد: لكن المدرسة الحسية  قد بالغت عندما ركزت على الحواس كمصدر وحيد للمعرفة وإهمالها للعقل الذي يعتبر الوسيلة التي تمكن الإنسان من ضبط معارفه وتجريده للانطباعات الحسية كعملية عقلية ضرورية داخل نظرية المعرفة كعملية ادراكية أكد عليها العديد من الفلاسفة أمثال إيمانويل كانط الذي جمع في كتابة نقد العقل الخالص بين المعرفة العقلية والحسية في وعاء واحد هي المعرفة الخالصة ورفض غياب احد المصدرين دون الآخر.  

الموقف الثالث: يرى الفيلسوف الألماني ومؤسس المثالية النقدية إيمانويل كانط أن يتجاوز مشكلة التعارض بين المذهب العقلاني و المذهب التجريبي  من خلال بلوغ معرفة خالصة ويقينية من خلال عملية نقد العقل الخالص والتي أرساها في مؤلفه الموسوم بالفكرة نفسها، حيث اعتمد على مجموعة من الحجج أهمها:
أن الإنسان يستطيع ادراك عالم الظواهر الذي يخضع للزمان والمكان عن طريق وسيلتين هما:التجربة الحسية والعقل معا ، إن الآثار الحسية هي المادة الخام التي تبدأ بها التجربة و الحافز على تنشيط العقل فالتجربة الحسية تقدم للإنسان انطباعات حسية تشكل معرفة مبعثرة ولتنظيمها لا بد من قوانين عقلية تسمى بالمقولات القبلية التي توجد في ذهن الإنسان بصورة فطرية ، ليقوم العقل بتأليف وتنظيم معرفتنا للأشياء وبالتالي نستطيع تقديم معرفة خالصة ومتكاملة. حيث يقول كانط: " الإحساسات و الأفكار هي خدم لنا تنتظر دعوتنا ولا تأتي إلى أذهاننا إلا إذا احتجنا إليها" كما يقول أيضا: " إن الإدراكات الحسية بغير المدركات العقلية عمياء، و المدركات العقلية بغير الإدراكات الحسية جوفاء."
الرأي الشخصي:...............................
خاتمة: نستنتج من خلال ما سبق أن النزاع حول مصدر المعرفة داخل الفلسفة الحديثة لم يعرف الثبات والتأسيس لنظرية المعرفة إلا من خلال المذهب النقدي الذي استطاع التركيب بين المصدرين والجمع بين المذهبين في مذهب واحد هو المثالية النقدية القائمة على مسلمة العقل الخالص وهذا ما اكد عليه أزفلد كولبي عندما أكد على ثبات نظرية المعرفة في الفلسفة الحديثة بقوله:"وبهذا يوفق كانط بين المذهب العقلي والمذهب التجريبي ويصل إلى نقطة أبعد بكثير من مجرد التقابل بين الفكر والحس ، فبالاحساسات نستطيع الوصول إلى علم صحيح، لأنها تخضع لصورة عقلية أولية".

تعليقات

  1. نقد موقف الحواس ضعيف وغير مفهوم

    ردحذف
  2. الرأي الشخصي مخذوف

    ردحذف
    الردود
    1. راي شخصي يندرج من شخصيتك اي انت من تضعه و ليس من كتب المقال

      حذف
  3. حل مشكلة ليست مفهومة

    ردحذف
  4. أريد مقالة جدلية حول هذا الموضوع 🙏🙏

    ردحذف
  5. الله يبارك عليكم مقال في لمستوى نسال الله توفيق لكم

    ردحذف
  6. المقال مختصر بطريقة مجحفة

    ردحذف
  7. احسنتم معلومات قيمة

    ردحذف
  8. مقال غير مفهوم على كل مشكورا

    ردحذف
  9. الرائ الشخصي ما كانش

    ردحذف
  10. مقالة جدليةحول فلسفة عقلية وتجريبية

    ردحذف
  11. شكرا استاذ

    ردحذف
  12. مهيش كاملة لمقالة

    ردحذف
  13. ممكن نص اصل المعرفة هو العقل
    وشكرا

    ردحذف
  14. مقال غير مفهوم للاسف و لاكن مشكور

    ردحذف
  15. الردود
    1. شكرا على المقال مكن الخاتمة غير مفهومة

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية؟

قارن بين العلم والفلسفة (خاصة بالعلميين واللغات)

هل معيار الحقيقة العمل النافع أم تأمل الإنسان لعالمه الداخلي؟