س:هل تعتقد أن الوعي هو أساس معرفة الذات ؟

يتميز الإنسان بكونه كائن فضوليا يطمح دائما إلى إدراك الحقيقة ومعرفة العالم الخارجي ألا أن هذا لم يثني عليه إقباله إلى معرفة ذاته وباعتباره كائنا عاقلا واعيا لأحواله الشعورية لهذا دار جدال بين الفلاسفة حول معرفة الذات فالبعض منهم يعتقد أنها تتوقف على الأنا أما البعض الآخر فيعتقد أنها تتوقف على وجود الغير ولتهذيب هذا التعارض الموجود بين الموقفين نتساءل هل معرفة الذات تتوقف على الوعي أم على المغايرة والتناقض ؟وهل يكفي أن أكون مغايرا للآخرين حتى أكون أنا ؟
 يرى أنصار الموقف الأول وخاصة سقراط  وديكارت أن معرفة الذات تتوقف على الوعي والشعور (الأنا)
وقد دعموا موقفهم هذا بعدة حجج أهمها  أن معرفة الذات تتوقف على وجود الوعي باعتباره نشاط فردي يقوم به الفرد مع ذاته كما أنه حدس نفسي يمكن الفرد من إدراك ذاته وأفعاله وأحواله النفسية إدراك مباشرا دون واسطة خارجية هذا ماجعل سقراط قديما يؤكد أن معرفة معرفة الذات تتوقف على وجود الوعي وذلك من خلال مقولته الشهيرة :"اعرف نفسك بنفسك "هذه المقولة تنفي وجود تأثير الآخر على الذات
أما في الفلسفة الحديثة نجد أن الفيلسوف الفرنسي ديكارت قد انطلق من الشك في وجود الغير وفي وجود العالم على أساس أن الحواس تخدعنا ومصدر غير موثوق فيه وأن معرفتنا السابقة بالأشياء غير يقينية لكنه لم يتمكن من الشك في أنه يشك لأنه مدام الشك موجود فلابد من وجود الذات التي تشك كما أنه لا يمكن للفرد أن يشك في وجوده وهذا هو مضمون الكوجيتو الديكارتي :"أنا أفكر إذا أنا موجود " حيث أقصى ديكارت من خلال هاته المقولة مفهوم الغير كطرف فعال في الوعي بالذات باعتبارها ذات فردية قادرة على معرفة ذاتها بذاتها وبصورة مباشرة دون تدخل الغير .
ليس هذا فحسب بل إن الشعور بالوحدة أو الخوف والفرح ...وغيرها من الحالات النفسية ماهي إلا حالات خاصة بالفرد ذلك أن الشعور يعرف ولا يعرف يدركه الفرد بذاته لا بتأثير غيره وهذا هو مضمون مقولة مين دوبيران :"إن الشعور يستند إلى التمييز بين الذات الشاعرة والموضوع الذي نشعر به "
كما يؤكد مالبرانش على نفي الآخر حيث أكد استحالة أن تعرف على وجه الدقة وعي الآخرين وأفكارهم  وأحاسيسهم غير أنني أستطيع على الأقل واعتمادا على المعرفة التي لدي عن حالات وعيي وشعوري الخاصة أن أفترض وأخمن مايجري في وعي الآخريين إن معرفة كهذه تعتمد على ما يسمى بالإستدلال بالمماثلة  لذلك يقول مالبرانش :"نحن نفترض أن نفوس الآخرين هي من نفس نوع نفوسنا ومانشعر به نزعم أنهم يشعرون به " غير أن المعرفة التي نتوصل إليها عبر هذه المماثلة لا تكون صحيحة ويقينية إلا عندما يكون مانشعر به  مقطوع الصلة بالجسم فأنا أستطيع مثلا أن أفترض أن الآخرين يعرفون بعض الحقائق الرياضية كما أعرفها أنا وأنهم يحبون الخير ويمقتون الشر وأنا على حق في كل هذا أما فيما يخص الأحاسيس فإننا نخطئ عندما ننسبها للآخرين مفترضين أنهم يشبهوننا لذلك مالبرانش ."إن المعرفة التي لدينا عن الآخرين غالبا ما تكون عرضة للخطأ عندما نستند في حكمنا على الأحاسيس التي لدينا عن أنفسنا لكن موقف هؤولاء الفلاسفة مبالغ فيه حيث تعرض لعدة انتقادات أهمها :أن الشعور قد يكون مصدر خداع للإنسان فقد أكد أفلاطون من خلال أسطورة الكهف أن ما يقدمه لنا وعينا ماهي إلا ظلال وخلفها تختبئ الحقائق وهذا مايسميه سبينوزا :"بالوهم والمغالطة ".كما أن وعي الذات لذاتها معرفة ذاتية خالية من النزاهة لأن مقياس الصدق هنا هو الشخص الواحد وبذلك نكون قد وقعنا في السفسطة :"الإنسان مقياس كل شيئ " فلا يمكن للإنسان أن ينظر من النافذة فيرى نفسه تسير في الشارع الملاحظ والملاحظ في الوقت ذاته ليس هذا وحسب بل إن الشعور ليس وحده الوسيلة المثلى لمعرفة الذات لأن هناك عالم اللاشعور (اللاوعي ) وهذا مايؤكدة سيغموند فرويد لأن الشعور يعجز أحيانا عن تفسير بعض السلوكات والعقد والأمراض العصبية والنفسية
يرى أنصار الموقف الثاني وخاصة جون بول سارتر وهيجل أن معرفة الذات تتوقف على وجود الغير باعتباره الطرف المقابل خارجا عنا
وقد دعموا موقفهم هذا بعدة حجج منها ماذهب إليه الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر :"وجود الآخر شرط وجودي " فالبالقياس إلى الغير ندرك نقائصنا وعيوبنا ومحاسننا وأحسن مثال على ذلك أن التلميذ يعرف مستواه من خلال تقييم الأستاذ له وهذا مايدل على أن الآنا عاجز عن معرفة مكانته وقيمته بنفسه لهذا فهو بحاجة إلى الغير فعندما أحس بأنني مختلف عن غيري فهنا أنا أع ذاتي وهذا الوعي مصدره مصدره معرفتي لغيري وإلا لن يتم هذا الوعي .
كما اعتبر سارتر أن معرفة الذات مشروطة بمعرفة الغير ووجوده وهذا مايثبت أن العلاقة بين الذات والآخر علاقة صراع كل واحد يشيئ الآخر هذه العلاقة المتوترة بين الطرفين تطرح فيما بعد إشكالا اجتماعيا وأزمة تواصل مع الآخر لذا يصبح في تصور سارتر مصدر خطر لذلك يقول :"الجحيم هم الآخرون "
كما يعتبر هيجل  وجود الآخر ضروريا لوجود
الوعي بالذات؛ والأنا لا يكون أنا إلا بالعلاقة مع الغير الذي هو في الوقت نفسه،
مُكوّنٌ له وفاعل، ويمكن توضيح هذا المعنى أكثر، من خلال جدلية هيجل الشهيرة في
علاقة التناقض بين العبد والسيد.

فالسيد والعبد شخصان، أحدهما ارتفع عن الأشياء المادية، لم يخاطر العبد بنفسه ولم
يُضَحِّ بها. عكس السيد، ونتيجة خوف العبد وعدم مخاطرته ـ ينتصر السيد؛ فيصبح
بذلك، السيدَ المالك والحر. والعبد تابع، وفي هذه الحالة، تنشأ بين الاثنين
علاقة صراع؛ فالسيد لا يقتل خصمه بل يحتفظ به كبيان لسيادته وأداة لتحقيق مآربه.
أما العبد، فمن خلال العمل الذي يسخره إليه سيدُه، يدرك في قرارة نفسه، أنه يؤثر
في الأشياء، ويشكلها كما يريد،ويصير السيد عبدا للعبد. هذا الصراع يؤدي إلى أن
يدرك كلٌّ منهما، بصورة أو بأخرى، أناه، وفي الوقت نفسه يدرك الآخر. 
لهذا يقول :"ويتحدد سلوك الوعي بالذات من خلال إثبات كل منهما ذاته لنفسه ، ومن خلال إثبات أحدهما ذاته بواسطة الصراع من أجل الحياة والموت "
بالإضافة إلى هذا كله نجد ان علاقة الإنسان بغير يثبت ما للمجتمع من دور  فعال في تنظيم نشاط الفرد وتربيته باعتباره المرآة التي يرى الفرد فيها نفسه ويدركها لذلك يقول واطسن :"الطفل مجرد عجينة يصنع منها المجتمع ما يشاء " كما يقول دوركايم أن الفرد ابن بيئته ومرآة تعكس صورة مجتمعه فمن غير الممكن أن يتعرف على نفسه إلا من خلال إندماجه داخل المجتمع واحتكاكه بالغير فنحن نعرف الأناني مثلا من خلال تعامله مع الغير
وعليه فإن  الشعور بالأنا يفترض وجود الغير .
لكن أنصار هذا الموقف قد بالغوا بدورهم لأنهم ركزوا على وجود الغير والتواصل معه كشرط أساسي لمعرفة الذات إلا أن الواقع يثبت أن الآخر لا يمكن أن يشاركنا عواطفنا وأفكارنا مهما كان قريبا منها لأنها تتصف بالذاتية .
-كما أن فكرة التناقض  والصراع التي قال بها هيجل لا يمكن أن تكون الأساس الذي تقوم عليه العلاقات بين الناس ولا أساس لمعرفة الذات ذلك أنه يدعو إلى التطاحن والصراع .

يرى أنصار الموقف التركيبي أن معرفة الذات تكون عن طريق الوعي وعن طريق معرفة الآخر في الوقت نفسه .لأن هناك تكامل بين الموقفين السابقين لأن الشعور يساهم في إثبات الذات ولكن هذا الشعور لا يتحدد إلا من خلال الغير يقول محمد عزيز لحبابي:"إن معرفة الذات تكمن في أن يرض الشخص بذاته كما هو ضمن هذه العلاقة : الآنا كجزء من نحن في العالم وبإمكانه تحقيق التواصل مع الغير دون تنافر وحشي عن طريق الوعي (اللغة)"
  وفي اعتقادي الشخصي أن معرفة الذات تكون من خلال التفاعل القائم بين الأنا والآخر وهذا مايؤكد الترابط الوثيق الموجود بينهما كون الفرد جزء من الكل فله أنا شخصي التي يكونها عنه الغير  فالفرد مثلا لا يحس بقيمة فرحه إلا ضمن المجموعة
   في الأخير نستنتج أن إدراك  المرء لذاته يكون من خلال وجود الوعي (الأنا) والغير في الوقت نفسه لأن الإنسان في تعامله مع الآخرين من أفراد مجتمعه يتصرف بوعي ويوفق بين مايقوله الآخرون عنه ومايعتقده في نفسه فلا يمكن للفرد أن يحكم على أنه خجول بنفسه وإنما يتطلب ذلك ملاحظة الغير له

تعليقات

  1. الردود
    1. شكرا على المقال غير جيد راكم تشكلو تلميذة شابيدير بهاد الشي

      حذف
  2. شكرآ

    🤲🤲🤲🤲🤲🤲

    ردحذف
  3. شكرااااااااااا

    ردحذف
  4. يعطيك الصحة وربي يحفضك افادتني كثيرا شكراا ❣️🤲

    ردحذف
  5. شكرا على المقال بارك الله فيك

    ردحذف
  6. بارك الله فيك على هذا المقال الرائع و جزاك خيرا 💚 💚💚

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل معيار الحقيقة العمل النافع أم تأمل الإنسان لعالمه الداخلي؟

السؤال:برر الأطروحة القائلة أن:"الرياضيات مطلقة"

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية؟