الخطاب الفلسفي في الجزائر (مقال منقول لاطلاع الطلبة فقط)


الخطاب الفلسفي في الجزائر. الممارسات و الإشكاليات - تشخيص أولي
مقدمة:
نحاول في هذا البحث أن نفكر خطاب الفلسفة في الجزائر من زاويتين، زاوية الممارسات المنجزة و زاوية الإشكاليات المطروحة وأن نحاول، قدر الإمكان، تشخيص العقبات المعرفية و الصعوبات الواقعية، وذلك بتحليل للممارسة الفلسفية في المؤسستين الثانوية و الجامعية، و في الكتابات الفلسفية الجامعية، مع محاولة تصنيفها إلى اتجاهات و تيارات أو على الأقل إلى مجالات فلسفية. و بعد ذلك سنعالج بعض مظاهر الممارسة الفلسفية خارج المؤسسة الفلسفية سواء المكتوبة بالعربية أو بالفرنسية و ذلك بالوقوف عند إشكالياتها.
فرغم ما عرفته الجزائر المعاصرة من تحولات اقتصادية واجتماعية و من اضطرابات سياسية عنيفة، فإن الفلسفة بقيت غائبة و بعيدة عن مجرى الأحداث، و سجلت غيابا و صمتا يكاد يكون كليا، رغم خطورة القضايا المطروحة على المجتمع الجزائري و مستقبله. إن هذه الحالة، حالة العجز على تفكير ما يجري، أثارت فينا أكثر من سؤال و خاصة تلك الأسئلة المتعلقة بقيمة الفلسفة وأهميتها ودورها في المجتمع، ولم نجد طريقة لمناقشة هذه المسألة، إلا طريق التساؤل عن واقع الممارسة الفلسفية في الجزائر من خلال تشخيص أولي لمكانتها و قيمتها في المنظومة التربوية و الجامعية الجزائرية، و في الكتابات الجامعية و غير الجامعية و ذلك عبر تحليل نقدي لممارستها و إشكاليتها، مع محاولة إبراز رهانات المعرفة و السلطة في هذا الفرع المعرفي الصعب و الخطير في نفس الوقت. لذلك حاولنا أن تساءل، وبطريقة تاريخية نقدية، عن المسار التاريخي و المحتوى المعرفي لهذه التجربة، بغرض الكشف عن الآليات التي تتحكم في عملية الغياب أو التغييب، و عن الإمكانيات التي تسمح بإعادة الحضور الفلسفي في الجزائر من خلال مناقشة قضايا التاريخ والسياسة و الفكر.
إننا نعتقد أنه من غير الممكن فصل تدريس الفلسفة في الجزائر عن مختلف الإستراتيجيات التي رسمتها السلطة للمنظومة التربوية، كما لا يمكن استبعاد مختلف الصراعات حول السلطة، و التي تجد بعض مواقعها وآثارها في المنظومة التربوية، إن هذه القاعدة المنهجية هامة وأساسية بالرغم من عموميتها، و رغم كونها لا تغنينا عن الدراسة التفصيلية لعلاقة المنظومة التربوية بالسلطة السياسية.
وإذا كان هدفنا في هذا البحث، لا يتمثل في دراسة هذه القضية التي نرى من الضروري تخصيصها بدراسة مستقلة، فإن الإشارة إلى بعض العناصر المشكلة لهذه السياسة أمر ضروري، و لعل من بين العناصر التي ميزت المنظومة التربوية والجامعية هو خضوعها المباشر للقرارات السياسية الكبرى المحددة لتوجهات المجتمع، و ان تلك القرارات تجسدت بشكل آلي في المنظومة التربوية و الجامعية، و هكذا نجد قرارات من مثل "ديموقراطية التعليم" و "الجزأرة" و "التعريب" و"الأسلمة" و ان كان ذلك من دون تصريح و إعلان، تتحقق و تعمل بشكل فاعل، سلبا و إيجابا، و في مختلف أطوار المنظومة التربوية في الجزائر.
إن هذه القرارات و الرهانات السياسية بالدرجة الأولى، قد وجدت مجالها التطبيقي، أول ما وجدته في حقل الفلسفة، و أنه إذا كان مبدأ ديمقراطية التعليم من ضرورات المرحلة و شمل كل مراحل التعليم، فإن عمليات التعريب و الجزأرة والأسلمة بسلبياتها وإيجابياتها طبقت أول ما طبقت على الفلسفة، و لعله من المهم في هذه الحالة، أن نطرح هذا السؤال الأولي و هو : لماذا كانت الفلسفة من بين الفروع المعرفية الأولى التي تم تعريبها  و جزأرتها و أسلمتها بشكل قصري ؟ إن هذه الإشارة التاريخية مهمة، لأنها ستسمح لنا بمعرفة و تقدير مختلف السلبيات والمعوقات و الصعوبات التي تواجه الممارسة الفلسفية في الجزائر و الإشكاليات المعرفية التي تطرحها.
أولا. الممارسة الفلسفية في المؤسسة التربوية :
بدأ تدريس الفلسفة باللغة العربية في المرحلة الثانوية في بداية السبعينيات، وذلك بعد أن تخرجت الدفعة الأولى من الجامعة، و شرع الأساتذة في تقديم دروسهم في المرحلة النهائية من التعليم الثانوي مستعينين بمطبوعة تحدد بشكل عام أهم المواضيع التي يجب تدريسها منها : الثقافة والفلسفة و الشخصية و الأخلاق وفلسفة العلوم مع توجيهات تربوية لتدريس الفلسفة تخص عملية تسيير الدرس و الأهداف و التقنيات. ثم صدر كتاب "الوجيز في الفلسفة" من تأليف الأستاذ محمود يعقوبي، الذي يعد في الحقيقة نسخة مترجمة بتصرف و انتقاء كبيرين، للكتاب المدرسي المعتمد في فرنسا وهو :  "Nouveaux précis de Philosophie"الـذي ألـفـه « Vergez et Huismen » و صدر سنة 1960. يتضمن الوجيز قسمين أساسين، قسم حول فلسفة العمل يتكون من المواضيع التالية : (الانتباه و الشعور، الشعور واللاشعور، الانفعالات : اللذة و الألم، الهيجان، العواطف و الأهواء، الميول والرغبات، السعادة، الإرادة، الطبع و الشخصية، معرفة الغير و العلاقات بين الأشخاص، الفن و الإبداع الفني، الأخلاق و الأسرة، الأخلاق والسياسة، العمل ومشاكله الاجتماعية، الحرية، الإنسان و مصيره، الوجود و القيمة) بمعنى آخر يتضمن هذا القسم مداخل عامة في علم النفس و علم الاجتماع وعلم الاقتصاد والأخلاق و الفن. أما القسم الثاني المعنون بـ : فلسفة المعرفة فيتضمن المواضيع الآتية: (الإحساس والإدراك، الذاكرة، التخيل، اللغة، الذكاء، التفكير والتجريد، التفكير المنطقي : الاستدلال وقوانينه، المنطق الجدلي، المنطق الاستقرائي، التفكير العلمي، الرياضيات، منهج العلوم الطبيعية، العلوم البيولوجية، التاريخ، علم الاجتماع، علم النفس، مبادئ العقل، نظرية المعرفة و مشكلة الحقيقة، الزمان والمكان، الروح والمادة، الألوهية)، باختصار يتعلق الأمر بمبادئ في نظرية المعرفة والمنطق و مناهج العلوم. و لقد قدم لهذين القسمين بمقدمة حول الثقافة والفلسفة وبخاتمة حول قيمة الفلسفة، و مع الوقت، تم تدعيم الوجيز بكتابات للنصوص الفلسفية غطت المواضيع الأساسية لبرنامج الكتاب المدرسي و بقاموس و طريقة لتحرير المقال الفلسفي، كلها من تأليف الأستاذ محمود اليعقوبي الذي كان مفتشا لمادة الفلسفة.
و كان تدريس الفلسفة حتى غاية الإصلاح التربوي لسنة 1992 يتم في الأقسام النهائية لجميع الشعب الرياضية و العلمية والأدبية، و أما الحجم الساعي فموزع على النحو الآتي : 08 ساعات في الأسبوع للأقسام الأدبية، و04 ساعات للأقسام العلمية و الرياضية. و تم العمل بهذا البرنامج حتى سنة 1980، أي حوالي عشر سنوات من العمل التربوي و هي سنوات تتفق ومرحلة سياسية في الجزائر، و مع بداية الثمانينيات، بدأت سلسلة من الإصلاحات المترددة و المحتشمة و المتعثرة والمنغلقة لأنها جرت في غياب كلي لخبراء و الجامعيين، و ربما تنفرد الجزائر في هذه و هو عدم استعانتها بخبراء و خاصة الجامعيين في إصلاح البرامج الجامعية. وهكذا، تم تعديل أولي للبرنامج، فأضيفت الأهداف و تم اقتراح للتدريس و تقليص لعدد المواضيع، و لكن لم يمس الإصلاح مضمون البرامج، و استمر هذا التعديل الأولي إلى غاية سنة 1991، حيث شرع في إعادة النظر في التعليم الثانوي في مجمله، و سمي هذا الإصلاح في وقته بإعادة هيكلة التعليم الثانوي، و بعد تشكيل لجان تربوية وطنية ظهر سنة 1993 برنامج جديد يختلف إلى حد كبير عن برنامج الوجيز، فتم إدخال التعليمية في الفلسفة La Didactique  وتم مرة أخرى تقليص محاور و مواضيع الوجيز من 28 إلى 22 في الشعب الأدبية و من 14 إلى 10 في الشعب غير الأدبية و تم في نفس الوقت توسيع مستوى تعليم الفلسفة في هذا الطور ليشمل السنة الثانية من التعليم الثانوي فرع الآداب و العلوم الإنسانية و العقيدة.
إن جديد هذا البرنامج الذي يتلاءم و يتفق كذلك مع مرحلة سياسية في الجزائر، هي مرحلة الفوضى و الحرب غير المعلنة، يتمثل في تقليصه لمواضيع الفلسفة واستبعاده للمحاور الفلسفية الأساسية كالألوهية و مصير الإنسان والروح و المادة، واستحداث مادة الفلسفة الإسلامية في السنة الثانية ثانوي، من منظور سلفي يتماشى و رؤية "علي سامي النشار" الذي جعل من فلاسفة الإسلام مجرد مشائيين تابعين لأرسطو، مع مدخل عام حول التفكير العلمي والمنطقي، و لكن بعد تبسيطه واختزاله لجميع المواضيع المدرجة ضمن برنامج الفلسفة، و ذلك بدعوى التعليمية، التي نظر إليها على أنها وسيلة مثلى لتدريس الفلسفة، لأنها تقوم على الحوار و ليس على التلقين.[1]
هذه التعليمية التي بقيت دعوى فارغة، لأن هنالك انعدام شبه كلي للأساتذة المؤطرين في هذه المادة، و دليلنا في ذلك ما يقوله نص التقرير الخاص بالجامعة الصيفية لتعليمية الفلسفة، الذي يعترف بـ : "إن التأطير يكاد ينعدم، بل أنه لا وجود له على مستوى الجامعة ذاتها، فيما يتعلق بموضوع تعليمية الفلسفة، رغم التطورات الهائلة التي حدثت في العالم من حولنا في هذا الحقل أخيرا، أي في التسعينيات، و هنا نجد أنفسنا – يضيف التقرير – وجها لوجه أمام ظاهرة العزلة القاتلة، التي تعاني منها منظومتنا التربوية، و خاصة مادتنا ذات الطبيعة الكونية، في وقت أصبحت فيه العولمة بديهية ترفض كل جدال."2
و في سياق هذه الإصلاحات أو التعديلات أو الترقيعات تم اعتماد طريقة طرح أسئلة في البكالوريا كانت كارثة حقيقية على تدريس الفلسفة في المرحلة الثانوية، وهذه الطريقة هي الطريقة المعروفة بالأسئلة  الجزئية، و إذا وصفناها بالكارثة، فلأن الأمر بلغ درجة من السوء تطلب من المسؤولين التربويين على هذه المادة التدخل لإلغائها، وهذا ما نقرأه في نص مذكرة المفتش العام الصادرة تحت رقم 725 بتاريخ 01/04/1996 و التي تنص صراحة على أنه : "من بين العوامل التي أثرت سلبا على تدريس الفلسفة في التعليم الثانوي، تلك الأسئلة الجزئية التي اعتمدت سابقا في اختبارات الفلسفة لامتحان البكالوريا، حيث جعلت التلاميذ عبارة عن أجهزة آلية لتخزين المعلومات واسترجاعها عند الطلب، و تبعا لذلك انحصر دور أستاذ الفلسفة في حشو أدمغة التلاميذ بالتعاريف و المفاهيم الفلسفية و بالقوالب الفكرية الجاهزة، وهو ما يتنافى تماما مع طبيعة الفلسفة، و مع أهداف تدريسها. و على الرغم من أن العمل بالأسئلة الجزئية قد ألغي بصفة رسمية من اختبارات الفلسفة منذ سنوات، فإن بعضا من تلك الآثار – مع الأسف – مازالت عالقة في أذهان بعض التلاميذ وحتى عند بعض الأستاذة."3
إن هذه الصورة العامة لتدريس الفلسفة في الجزائر في مرحلة التعليم الثانوي تبين جملة من الأمور التي يجب أن نتوقف عندها و من بينها :
1- توسعت مكانة الفلسفة من الناحية الكمية، و أصبحت تشمل سنتين بحجم ساعي مقبول مقارنة ببعض التجارب الفلسفية في الوطن العربي.
2- أصبح التأطير أو الإطار المدرس جزائري بشكل كامل و هذا في ظرف زمني قصير و سريع و في نفس الوقت. و إذا كان هذا يعتبر من النتائج المباشرة لسياسة الجزارة فإن له جوانب سلبية لا يمكن تجاهلها كالمحدودية في المعارف و نقص في التكوين و غلبة المعارف العامة على المعرفة الفلسفية وهو أمر له علاقة مباشرة بوضعية تدريس الفلسفة في الجامعة كما سنبين لا حقا.
3- إن الإصلاحات التي عرفها البرنامج، ليست أكثر من تعديلات بسيطة ومجزأة و في غالبها كانت ترقيعات، لم ترق في معظم الأحيان حتى إلى ما كان معمولا به قبل سنة 1980، و المطلع على الكتب المدرسية التي صدرت بعد الوجيز، يعرف مدى الخلل الكبير الذي تعاني منه هذه الكتب المتسمة كما قلنا بالسطحية والتبسيطية و الاختزالية أو بكلمة بالسلفية التي تعني في هذا المجال " التخطيطية والتبسيطية و الاختزالية و الشكلية والتصنيفية و الوثوقية و العمومية الفارغة أو الدوغماتية أي الغياب الكامل للروح الفلسفية"4
4- لم يكن القائمون على الإصلاح إلا أولئك الأساتذة و المفتشون الذين كانوا مدرسين للمادة و يعانون من قلة الإمكانيات كالتفرغ للبحث التربوي والانغلاق على البحث الجامعي، سواء الفلسفي أو التربوي مع ضعف واضح بالاتصال بالفلسفة الحديثة و المعاصرة و الطرق الجديدة في التعليم و هذا بسبب القصور المعرفي و اللغوي على السواء.
5- يعاني تدريس الفلسفة في الثانوي كما في الجامعي من الانغلاق والعزلة مما أدى إلى ضعف في المستوى و في تشكيل تصور خاطئ عن الممارسة الفلسفية في العالم، و حتى التقارير الرسمية تشير إلى هذه الوضعية المزرية و تـقـر بـ: " أنه لا يمكن الذهاب بعيدا في هذا الاتجاه، (اتجاه الإصلاح و التعليمية) إذا بقيت المادة معزولة عما يجري من تطورات في العالم من حولنا في ميدان الأفكار، و في مجال تعليمية هذه المادة، التي لا تكون إلا كونية و إنسانية، ولا تنشأ من البداية إلا عالمية، إنها تطرح مشاكل الإنسان في كل مكان، وتحاول إيجاد الحلول الجذرية لها، بتطوير قدرات العقل ذاتها،... من هنا فإن العزلة في هذا المجال تقود إلى موت لا ريب فيه للفكر المبدع... لهذا ندعو إلى فك العزلة الخانقة عن الفلسفة في بلدنا عن طريق التوثيق.. (و)استضافة المؤطرين المبدعين في ميدان تعليمية المادة (و) تنظيم تدريبات وبرمجتها للمشتغلين بالفلسفة...(و) استغلال منح التعاون كما هو الشأن بالنسبة  لمواد أخرى، بل أن مادتنا هي الأجدر بهذا  و الأكثر حاجة إليه، باعتبارها أداة التفتح المفضلة على العالم المتحضر المعاصر."5
6- لعل الإضافة الأساسية للبرنامج الجديد هو تسطيره لجملة من الأهداف التربوية و تقديمه لطريقة في تحليل المقال الفلسفي و النص الفلسفي و تقنيات الدرس.. الخ من المسائل التقنية التي تساعد الأستاذ و التلميذ معا.6
7- إن البرنامج من الناحية المعرفية، يشكو من نقائص عديدة و لعل أهم هذه النقائص على الإطلاق هو إفراغه من محتواه الفلسفي و المعرفي بدعوى التبسيط، و من هنا فإن ما يقوله أحد المختصين في هذا الميدان لجدير في نظرنا بالانتباه و التفكير والاهتمام، يقول : " إن كل ما يتعلق بالتأويل الفلسفي والبحث و الدلالة الفلسفية للمسائل، قد تم إلغاؤه. علما أن هذه هي الجوانب التي تشكل خصوصية و وحدة كتاب مدرسي في الفلسفة."7
8- كما يشكو البرنامج من كل تجديد سواء من ناحية المعلومات و الأفكار الفلسفية أو الموضوعات المقترحة و إن مقارنة بسيطة ببرنامج الفلسفة في الجمهورية التونسية على سبيل المثال و المسمى بـ : أنا أفكر، يبين الفارق الكبير بين البرنامجين ففي الوقت الذي ظل فيه برنامج الفلسفة في الجزائر حبيس التقسيم الثنائي إلى فلسفة للعمل و أخرى للمعرفة من خلال آراء فلسفية عتيقة، نجد برنامج الفلسفة في تونس يتناول موضوعات في غاية التنوع و الثراء و يشمل محاور تخص مفهوم الفلسفة و الوعي و الجسد و اللغة و رؤى العالم و العقلانية التجريبية والعقلانية في العلوم الإنسانية و الفلسفة و العلم و العمل و الدولة و المجتمع المدني والمسألة الأخلاقية و أخيرا مسألة الحرية و كل هذا عبر نصوص لفلاسفة من أفلاطون إلى الفلاسفة المعاصرين، أي أنه برنامج من خلال نصوص الفلاسفة و ليس من خلال آرائهم كما هو الحال في برنامج الفلسفة في الجزائر، و هذا ما يؤدي إلى طرح قضية النص الفلسفي في الجزائر باعتبار، أن غيابه و غياب الوسائل و الطرائق الفلسفية في معالجته من بين أهم المشكلات الفلسفية التي تواجه تدريس الفلسفة في الجزائر، ولعلنا لا نبالغ إن قلنا أن غياب النصوص الفلسفية في الجزائر هو العقبة الكأداء في كل تطوير للممارسة الفلسفية في الجزائر.
ثانيا- الممارسة الفلسفية في المؤسسة الجامعية :
لقد كانت الفلسفة في الجامعة الجزائرية تدرس باللغة الفرنسية حتى سنة 1968 حيث شرع في تعريب هذا الفرع و ذلك بالاستعانة بأساتذة من المشرق العربي، و من مصر بشكل خاص. كما أنها بقيت تدرس حتى نهاية السبعينيات في جامعة الجزائر فقط، و في بداية الثمانينيات تم فتح قسم للفلسفة في جامعة وهران و آخر في جامعة قسنطينة، و في منتصف التسعينات فتح قسم للفلسفة في المدرسة العليا للأساتذة بالعاصمة و ثم قسم ثاني تابع لنفس المدرسة بقسنطينة، يتميز القسمين الأخيرين، عن الأقسام الثلاثة الأولى، بعدد المقاييس الخاص بالتربية و التعليم و البيداغوجية والمدة الزمنية التي تصل فيما يتعلق بليسانس الفلسفة إلى خمس سنوات و لكن من دون تغيرات جوهرية في نظام التدريس و لا في الإمكانيات و لا في الإطارات، من هنا فإن ما يلاحظ في التكوين الجامعي للفلسفة ينطبق على التكوين الفلسفي في المدرسة العليا للأساتذة.
يتكون نظام التدريس الجامعي من مجموعة من المقاييس السداسية تعطى للطالب خلال ثلاث سنوات من الدراسة، يتحصل بعدها على شهادة ليسانس في الفلسفة، تؤهله للتعليم الثانوي أو مواصلة الدراسات العليا، بغرض الحصول على شهادات عليا كشهادة دبلوم الدراسات المعمقة أو شهادة الماجستير أو شهادة دكتوراه الدولة. و منذ منتصف الثمانينيات شرع العمل بنظام جديد يتكون من مقاييس سنوية لمدة أربع سنوات، كما ألغيت شهادة دبلوم الدراسات المعمقة في  التكوين ما بعد التدرج.
إن الأساسي في تدريس الفلسفة في الجامعة هو الاعتماد على نظام المقاييس السداسية و السنوية، هذه المقاييس تعكس بطريقة عامة تاريخ الفلسفة ومباحثها، وهكذا يتلقى الطالب مبادئ عامة حول تاريخ الفلسفة الذي يبدأ بالمرحلة اليونانية وينتهي في المرحلة الحديثة و المعاصرة مرورا بالفترة الوسيطية الإسلامية و المسيحية – اليهودية، كما يتلقى الطالب دروسا حول مباحث فلسفية من مثل المنطق الصوري و الرياضي  و الأخلاق و السياسة وفلسفة التاريخ و العلوم و اللغة و الميتافيزيقا والفن و الفكر العربي مع مقاييس في الرياضيات و علم النفس و علم الاجتماع و علم الاقتصاد و اللغة الأجنبية (فرنسية أو إنكليزية).
إن المشكلة الأساسية لهذا النظام المعتمد على المقاييس تتمثل في الطبيعة الحرة لعلمية التدريس التي تتم في الجامعة، فلا تشترط الوزارة الوصية في تدريس المقياس إلا بعض المبادئ العامة أو المحورية المتعلقة بموضوع المقياس، و إذا علمنا الصعوبات التي يعاني منها التأطير في الجامعة عرفنا ما ينجم عن هذه (الحرية؟) من ضعف في التكوين خاصة و أن نظام التقييم أو النجاح والرسوب متساهل جدا، لأنه يضمن للطالب الحق في أربع امتحانات في السنة بالإضافة إلى امتحان شامل قبل نهاية السنة الجامعية و دورة خاصة تسمى بالامتحان الاستدراكي في كل بداية سنة جامعية، كما أن الرسوب في المادة لا يشترط إلا عدم الحصول على أقل من 05 من 20 في كل مقياس وبإمكان الطالب أن ينجح إذا حصل على معدل 10 من 20 في مجموع المقاييس.
بالإضافة إلى كل هذا، فإن الطابع العام للمقاييس المدرسة، تجعل عملية تقديمها تعتمد أساسا على المراجع  و المؤلفات العامة ولا تهتم بشكل أساسي بنصوص الفلاسفة و هذا لعدة أسباب أهمها الضعف الكبير في مستوى اللغات الأجنبية، والمقصود بذلك جميع اللغات الأجنبية بما فيها الفرنسية أو بالأحرى و خاصة الفرنسية، و فقر المكتبة الجامعية من المصادر و المعاجم والموسوعات، و قلة المصادر المترجمة و توقف المكتبة عن التزود بالكتاب وهذا منذ منتصف الثمانينيات، وبالتحديد منذ أزمة انخفاض أسعار البترول إلى يومنا هذا، بحيث لم تعرف المكتبة الجامعية بشكل عام و الفلسفية، إن صح القول بمكتبة فلسفية، أي تزويد بالكتب والمعاجم و المصادر و لم تستقبل المكتبة الجامعية أي مجلة فكرية منذ سنة 1986.
هذا و قد عرف برنامج تدريس  الفلسفة في الجامعة إصلاحات منها إصلاح سنة 1992 الذي أدخل جملة من المسائل أهمها :
1. استحداث مادة اختيارية في السنة الثالثة يتعمق فيها الطالب بعد اختيارها بناء على العلامات التي يحصل عليها.
2. استحداث مقاييس جديدة، كفلسفة اللغة و الفن و الفلسفة الحديثة أو الفكر العربي الحديث و المعاصر، بحيث أصبح عدد المقاييس التي يدرسها الطالب في السنة، ستة (06) مقاييس بالإضافة إلى اللغة الأجنبية، بدلا من أربعة (04) مقاييس سداسية في النظام القديم، إلا أن ما تجدر الإشارة إليه هو أنه إذا كانت مقاييس البرنامج القديم محدودة فإنها تقدم في حجم ساعي ملائم جدا يتراوح بين ساعتين أو ثلاث ساعات للمحاضرة و ساعتين للتطبيق في كل مقياس أسبوعيا، أما البرنامج الجديد الذي أضاف مقياسين في كل سنة دراسية فإن الحجم الساعي المرسوم هو ساعتان في الأسبوع لكل مقياس ولكن من الناحية العملية لا يقدم إلا في ساعة ونصف، و هذا نتيجة للكثافة العددية للطلبة و قلة الهياكل المستقلة مما أدى بالمسيرين إلا اتخاذ إجراءات تسييرية لا تأخذ بعين الاعتبار دائما الجوانب البيداغوجية للمقاييس المدرسة.
3. استحدث البرنامج الجديد، مذكرة التخرج، تعتبر وسيلة تربوية لتكوين الطالب في الجوانب المنهجية و المعرفية، و فرصة للاستعداد للبحث الفلسفي الجامعي، و لكن و رغم هذه التحسينات المحدودة لنظام التدريس في الجامعة إلا أن مشكلة المقاييس كما هي معتمدة حاليا – رغم محاولة اللجنة الوطنية للفلسفة رسم المحاور الكبرى لكل مقياس – تبقى مطروحة لأنها ليست أكثر من مداخل عامة للمسائل الفلسفية من وجهة نظر تاريخية خطية صرفة.
فعلى سبيل المثال إن مقياس "الفلسفة اليونانية" على أهميته في التكوين الفلسفي، لا يتلقى الطالب فيه إلا معلومات و أفكار عامة حول ما يسمى بــ "الفلسفات الشرقية" ثم المدارس الفلسفية قبل سقراط ثم سقراط و أفلاطون وأرسطو والمدارس المتأخرة. كل هذه المراحل و الفلسفات يفترض تقديمها في سنة دراسية جامعية و بحجم ساعي لا يتجاوز الساعة و النصف في الأسبوع و تعطى لطلبة يتجاوز عددهم 200 أو 300 طالب لا يقرأون إلا باللغة العربية، ليس لديهم مكتبة إلا على سبيل المجاز، لأن كتب الفلسفة المتواجدة ضمن المكتبة العامة للجامعة، لا تتجاوز نسخها أربع نسخ، ويتداول عليها أكثر من 300 طالب في السنة، و الكرسي الواحد في المكتبة يتداول على الجلوس عليه أكثر من 45 طالب.
إن هذه الملاحظات التي ذكرناها بصدد الحديث عن مقياس الفلسفة اليونانية تنطبق بدرجات متقاربة على جميع المقاييس، و عليه نستطيع تلخيصها في النقاط الآتية :
إن المقاييس في ظل غياب كبير للإطار المختص، تبقى مجرد مداخل عامة للفلسفة. و هو ما يمكن تسميته بعقبة العام.
إن أحادية اللغة التي يعاني منها الطالب و عدد كبير من أساتذة التعليم الجامعي، تجعل من هذه الأحادية، عقبة تواجه كل أمل في إصلاح التعليم الجامعي. و هو ما يمكن تسميته بعقبة اللغة.
1. إن غياب مكتبة جامعية يجعل من تدريس الفلسفة في الجامعة ناقصا مهما توفر الإطار المدرس و البرنامج الدراسي. و هو ما يمكن تسميته بعقبة النص.
2. إن المشكلة الكبيرة لهذه المقاييس أنها لا ترتبط بما قدم للطالب في المرحلة الثانوية و بما يجعله قادرا عند التخرج من ممارسة وظيفته التعليمية، فهنالك شبه طلاق كلي بين التكوين الجامعي و التكوين الثانوي. أو إذا صح القول، هنالك قطيعة بين المستويين. وهو ما يمكن تسميته بعقبة القطيعة.
3. إن لنظام المقاييس آثاره الأخرى و خاصة على البحث الفلسفي والتكوين ما بعد التدرج، هذه الآثار التي نلاحظها على مستوى الرسائل الجامعية المقدمة و التي يغلب على مواضيعها المختارة : السياسة و الفكر العربي الحديث و المعاصر والفلسفة الإسلامية في شكل الفقه و علم الكلام مع حضور كبير للغزالي و ابن تيمية و مالك بن نبي كما سنبين ذلك بالتفصيل في المعلم الموالي من البحث، و هو ما يمكن تسميته بعقبة التبسيط.
على ضوء هذه النتائج الأولية للممارسة الفلسفية في الجامعة، و في سياق التشخيص الأولي للإشكاليات  و الممارسات، نحاول رسم و وصف تجربة الدرس الفلسفي بين التبليغ و التلقي بوصفه نموذج يلخص أهم المشكلات التي تعاني منها الممارسة الفلسفية الجامعية في الجزائر. فكيف يقدم الدرس الفلسفي و يبلغ، و كيف سيتقبل و يتلقى؟ و ما هي الطرق التي تتبع بغرض تبليغ الفلسفة؟ مما لا شك فيه إن تحليل الموضوع يحيل إلى باعث هو الأستاذ و متلقي هو الطالب مما يتطلب معاينة أولية للأستاذ و درسه ثم إلى الطالب و فهمه و أخيرا سنشير إلى ما نراه مناسبا و ملائما للخروج من المعوقات والصعوبات، و هذا ما نصطلح عليه بالآلية الداخلية.
أ- الأستاذ : كيف يدرس الأستاذ في المحاضرة و التطبيق كيف يقدم درسه ويمتحن و يطبق معلوماته؟ من الناحية القانونية و المؤسساتية الأستاذ ملزم ببعض المبادئ العامة، ولكن هذا الأستاذ – كما قلنا سابقا – هو حصيلة تكوين و بحث مما يحيلنا إلى سؤال التكوين في أقسامنا، ذلك التكوين الذي تم وما زال في ظل ظروف خاصة، لذا يجب الإقرار بالخلل الذي يعانيه أصلا الأستاذ، و لعل المشكلة الكبيرة هو أن الأستاذ لا يملك المقدرة على تحسين مستواه و لا تمكنه المؤسسة الجامعية إلا من خلال تربصات و بحوث نعتبرها محدودة للغاية، و إذا كانت وضعية تكوين الأستاذ تطرح مشكلة فإن عملية التدريس تطرح أكثر من مشكلة و خاصة إذا فكرنا في وضعية المقاييس المطلوب تدريسها و ما تتصف به من عمومية و فترات تاريخية طويلة، فمقياس المنطق، مثلا، يفترض التعرف فيه على المنطق و تاريخة من أرسطو إلى عصرنا و تاريخ الفلسفة من الفكر القديم إلى عصرنا و رغم تقسيمه إلى مراحل فإن كل مرحلة لا تكفي لسردها ولا لتناول قضايا أو دراسة أعلامها و فلسفة الأخلاق والسياسة و العلوم و التاريخ تفرض عرض كل النظريات المتصلة بمجالها و كل هذا أمر في غاية الصعوبة و يطرح مشكلة تبليغ الدرس هل يتم أولا إملاء أو شرحا أم جمعا بين الطريقتين و هل يجب التركيز على شخصيات أم بانتقاء قضايا و مسائل أم بالعرض العام أم بالتركيز على نصوص معينة؟ من الواضح أن هذه الوضعية لا تعطي الأستاذ اختيارات كثيرة فهو أما أن يختصر و يعمم أو يجزئ و يعمق و في الحالتين هنالك مشكلة، فالتعميم يؤدي إلى تكوين هش و التعميق يواجه صعوبات موضوعية أقلها غياب المكتبة الفلسفية. ثم إن الدرس الفلسفي يتطلب لغة خاصة ونصوصا خاصة و قنوات للتوصيل خاصة و أن عملية التبليغ تطرح مشكلة تقنية وهي أن الأستاذ مخير بين الإملاء و الشرح و المشاركة بين تقديم المعلومات وشرحها و تلقينها.        
ب – الطالب : أما الطالب فيواجه مشكلات استقبال أساسية  فهو لا يجد المكتبة و التوجيه المنهجي الذي يذلل له هذه الصعوبات و يستقبل طرائق مختلفة لا يمكن القول أنها تحترم كلها قواعد البحث العلمي، إذ أن كل أستاذ يفرض طريقته و إذا كان هذا حق الأستاذ في البحث باعتباره جامعي، فإنه على مستوى التدريس وتبليغ المعلومات أمر في غاية الصعوبة بالنسبة للطالب، ثم إن الطالب الذي لا   يعرف اللغات الأجنبية يجد نفسه أمام اختيارات صعبة أقلها عدم القدرة على الإطلاع على نصوص الفلاسفة، ولعلنا لا نبالغ إن قلنا أن الفلسفة تكاد تكون التخصص الوحيد في الجامعة الذي يمكن فيه للطالب أن يقضي أربع سنوات في التكوين من دون أن يتصل إطلاقا بالنص الفلسفي و الفلاسفة، و من دون أن يشكل ذلك عائقا في الحصول على شهادته، و ذلك عكس كل التخصصات الإنسانية كما أن طبيعة المقاييس تعطيه تكوينا عاما لا يساعد لا على تعميق أبحاثه ولا على طرح حتى الأسئلة الصحيحة، لذلك نجده يبحث في الغالب الأعم عن أجوبة عامة ونهائية تكفيه شر التفكير. من هنا يظهر الطلبة وكأنهم نسخة واحدة مكررة، وبحيث يندر أن يسأل الطالب سؤالا مهما في موضوع بحثه سؤال مبني على معرفة وعلم، فأسئلة الطلبة في غاية البساطة و العمومية وفي كثير من الأحيان أسئلة معروفة سلفا و في بعض الحالات حتى صياغة السؤال لا تكون صحيحة، بل مجرد تراكيب لغوية، لا تؤدي المعنى، مما يعني أن الطالب لا يفكر ولا يجد حاجة في التفكير، وفي حالات عديدة الطالب يبحث عن أسئلة قد تنجيه شر التفكير في الامتحان، من هنا يلجأ إلى لعبة الرهانات، إنه يراهن بسؤاله فقد يحدث و أن يطرح في الامتحان ويجد الإجابة جاهزة مما يعني أن الطالب لا يحمل الهم المعرفي و لا الهم الفلسفي ولكن الأسوأ من هذا أن ذاكراته تخونه دائما إذ أنه عكس ما قاله أفلاطون من أن المعرفة تذكر، فإن الطالب يسترجع المعرفة استرجاعا مؤقتا لفترة الامتحانات فقط، ولذلك فهو لا يوظف المعارف و لا يراكمها و لا ينميها ولا يقيم علاقات بينها، يظهر وكأنه يعاني من ذرية مفرطة، لا يهمه إلا النجاح و فقط النجاح و إن كان يعلم سلفا أنه محكوم عليه بالنجاح إدراكا منه للعبة نظام التقييم و النجاح المقررة. باختصار، إن ما نود تسجيله هنا هو غياب الذات و غلبة التماثل والتشابه8.
و على الرغم من كونه طالب في الفلسفة أي خريج الآداب و اللغة العربية عموما إلا أنه يعاني من نقص في اللغة العربية "نحوا وصرفا " و من القدرة على التعبير بشكل واضح "الأسلوب و البلاغة" من هنا فهو لا يقدر على إدراك الفروقات الدقيقة و لا يقدر على التعمق بحيث يبقى في مستوى العموميات.
ج- الدرس أو الرسالة : يجب الإقرار بأن  هنالك مشكلة الدرس في الجامعة أي المحاضرة فإذا كانت هنالك بعض القواعد المقررة و المتصلة بالدرس الفلسفي في المرحلة الثانوية و هنالك اجتهادات وأعمال يساهم بها علماء النفس و التربية، فإن المرحلة الجامعية تواجه صعوبة حقيقية في هذا المجال، و خاصة في ظل غياب مرجعية علمية و أكاديمية معتمدة في جامعتنا.
إن الدرس الفلسفي هو لغة و أفكار و أدلة و سياقات مختلفة فكيف يمكن تقديمه؟ هل يكون ذلك عن طريق تدريس الأعلام أم بسرد للنظريات أم بمناقشة للإشكاليات؟ إنه مهما كان اختيارنا فإن هنالك صعوبات جمة، فالدرس من حيث هو لغة فلسفية تتميز ببعض المميزات الخاصة كالتجريد والدقة و المعنى الخاص بالفيلسوف، هذه اللغة تواجه مشكلة حقيقية في ترجمتها و في شرحها و تفسيرها وعندما تكون لغة النصوص الفلسفية لغة أجنبية و هي الغالبة في الفلسفة،و عندما نعرف القصور الذي يعانيه الطالب في هذا المجال، فإننا ندرك حجم الصعوبات وخاصة فيما يتعلق بالمرادف والإحالة و إدراك السياق، و هذه من الأمور التي لا يستطيع الطالب تحصيلها هذا بطبيعة الحال إن كان الأستاذ يعمل على العودة إلى نصوص الفلاسفة ولغتهم و إشكالياتها و قضاياهم و إلى السياقات المعرفية و التاريخية التي ظهرت فيها أفكارهم9 .
 إن تعليم التفلسف بما هو حث على التفكير في القضايا الفلسفية لا يمكن أن يتم في نظرنا من دون طرق الحوار و النقاش و الاتصال بنصوص الفلاسفة واستحداث طرائق مناسبة لمستوى طالب الفلسفة في الجامعة، من هنا نرى، ضرورة التعديل في المقاييس بحيث يتم التركيز على الفلاسفة و ليس على التاريخ العام للفلسفة، واعتماد اللغة الأجنبية في مقياس من مقاييس الفلسفة، مع الإطلاع على الطرائق الجديدة في تحليل النصوص، و إصلاح نظام التقييم بما يتناسب و المنافسة و ليس النجاح، بالإضافة إلى توفير الكتاب و المكتبة الفلسفية. و من دون تجاوز لهذه العقبات يصعب الحديث عن الفعل الفلسفي في بلادنا و ضمن المؤسسة الرسمية للفلسفة. كما يصعب الحديث عن التلقي و الاستقبال الذي يتناسب و مهمة التأسيس للفعل الفلسفي.
بتعبير آخر، نعتقد من جهتنا أنه ما لم يتم إعادة النظر بجدية في كيفية تدريس الفلسفة و خاصة من حيث ربطها بنصوص الفلاسفة و اتخاذ إجراءات حقيقية فيما يتعلق باللغات الأجنبية و توفير الشروط الأساسية للبحث الفلسفي مع ربطه بما يجري في العالم، فإنه لا يمكن انتظار خطاب فلسفي في الجزائر في مستوى تحديات مجتمع يواجه تطورات القرن الواحد و العشرين. و في اعتقادنا أن على المؤسسة ضرورة توفير الكتاب النوعي، فالمكتبة الفلسفية شرط حيوي من دونه لا يمكن قيام فعل فلسفي، و الاهتمام بالأستاذ من خلال إعادة تكوينه عن طريق التربصات، وضرورة إعادة النظر في نظام التقييم و النجاح مما يكفل انتقاء و تصفية صحيحة على معايير نوعية و ليس على أساس الكم، و إعادة النظر في نظام المقاييس من مقاييس عامة و عرضية إلى مقاييس متخصصة و خاصة بالفلاسفة و نصوصهم، و إعادة النظر في سياسة اللغات و فرض لغة أجنبية في مقياس أو مقياسين للتدريس و أن توجيه الطالب إلى قسم الفلسفة يجب أن يخضع إلى معيار العلامة و الرغبة، و لكن أكثر من هذا يجب إعادة النظر في الأقسام الأدبية في المرحلة الأدبية من حيث التوجيه والمستوى. لكن يجب أن نعرف أن تعليم فعل التفلسف مهما كان يبقى عملا شخصيا. و أن ما نقترحه هو مجرد خطوات عملية تساهم في تفتح ذلك الفعل، ليس إلا.
ثالثا. البحث الفلسفي الجامعي توجهاته و صعوباته :
إذا كانت الفلسفة في الجزائر في الستينات و السبعينات من القرن العشرين، قد اعتمدت على الإطارات الأجنبية في التدريس و التأطير، فإنه و منذ منتصف الثمانينات، أصبحت تعتمد بشكل كلي على الإطارات الجزائرية في التدريس، أما التأطير و الإشراف على الرسائل الجمعية، فهنالك مشكلة قائمة لم تجد بعد حلا مناسبا، و هي تتراوح بين الإشراف عن بعد و قيام بعض الأساتذة الجزائريين الحاصلين على درجة الدكتوراه بمهام الإشراف مع كثرة الاعداد و غياب شبه كامل للجو العلمي للبحث.
و إجمالا يمكن القول أن مشكلة الإشراف مازالت قائمة رغم تعاون بعض الأساتذة العرب مع الجامعة الجزائرية بشكل عام و مع أقسام الفلسفة على وجه الخصوص. و هذه واحدة من الصعوبات التي تضاف إلى باقي الصعوبات التي يعاني منها البحث الفلسفي في الجزائر. ذلك أن الإشراف عن بعد لا يمكن الطالب من الالتقاء بمشرفه إلا لقاءات معدودة و لأن المشرف لا يستطيع متابعة عمل طالبه متابعة دقيقة و مستمرة، و لأن العملية من الناحية القانونية و الإدارية تعاني من فراغات أهمها أن المشرف متطوع ليس إلا.
و إذا كان التأطير في الستينات و السبعينات، يعتمد على الإطارات المتعاونة وعلى البعثات إلى الخارج، إلى أوربا و العالم العربي، فإنه و منذ منتصف الثمانينات إنعدمت الوسيلتين، و نستطيع القول أن الفلسفة كانت أول المتضرريين بأزمة انخفاض أسعار البترول، فقد تم إلغاء عقود جميع الأساتذة المتعاونين في فترات متقاربة و سريعة، كما تم إيقاف البعثات العلمية إلى الخارج، و كانت البعثات الفلسفية أول البعثات التي طبق عليها تلك القرارات التي وصفت في حينها بقرارات التقشف و الترشيد الاقتصادي؟
و هكذا ترك البحث الفلسفي في الجامعة، رهين الظروف و الإجراءات الترقيعية التي تهدف في عمومها إلى الحفاظ على أقسام الفلسفة مفتوحة خاصة في وهران وقسنطينة، لكون القسمين حديثي النشأة، أما قسم الفلسفة في العاصمة فكانت ظروفه أفضل من القسمين المذكورين. من هنا كان الهدف الأقصى للتكوين و البحث الفلسفي في الوقت الراهن، هو تلبية الحاجة إلى التدريس و خاصة مع تزايد أعداد الطلبة و ضرورة تغطية المقاييس المدرسة في مرحلة الليسانس.
لقد صنف و قسم البحث الفلسفي الجامعي، بشكل عام، إلى ثلاثة فروع هي :
أ- تاريخ الفلسفة : و يتكون من، الفلسفة القديمة و اليونانية و الإسلامية والمسيحية و الحديثة و المعاصرة، و الفكر العربي الحديث و المعاصر.
ب- المنطق و فلسفة العلوم : و يشمل، المنطق الصوري و الرياضي وتاريخ العلوم و فلسفة العلوم و فلسفة اللغة.
ج- الأخلاق و السياسة و الجمال  : و لقد تم إنجاز مجموعة معتبرة من الرسائل  الجامعية و خاصة في مستوى شهادة الماجستير حيث تم إنجاز ما يقارب (96) رسالة ماجستير و (20) أطروحة دكتوراه دولة، و مع ذلك مازال هنالك نقص ملحوظ، و بإمكاننا القول أن الرسائل المنجزة تعكس بدرجات متفاوتة مستوى البحث الفلسفي في الجزائر من جهة و مختلف الظروف والصعوبات التي تعيشها وتواجها من جهة أخرى.
و إذا كنا قد أشرنا إلى بعض الصعوبات في سياق حديثنا عن تدريس الفلسفة في المرحلة الثانوية و مرحلة الليسانس، من مثل (النقص في الإطار الكفء و القدير وغياب الكتاب و العائق اللغوي و انعدام الجو الثقافي والفكري و خاصة بعد الاظطرابات التي عرفتها البلاد منذ مطلع التسعينات)، فإنه من المفيد أن نشير إلى توجهات البحث الفلسفي، الذي يعكس مستوى و قيمة البحث الفلسفي في الجزائر.
إن النسبة الغالبة من البحوث المنجزة هي بحوث تنتمي إلى الفكر العربي الحديث و المعاصر و إلى الفلسفة الإسلامية و إلى الفلسفة السياسية و الأخلاق مع حظور معتبر لمواضيع من إيديولوجيات السلط السياسية المتعاقبة على الجزائر. و لقد بلغ عدد هذه المواضيع المسجل منها و المنجز ما يقارب (150) رسالة و أطروحة، من مجموع (247)،كما أن هنالك مواضيع و شخصيات مكررة بنسب مثيرة للانتباه فمثلا مالك بن نبي خص له ما يقارب (10) رسائل و الغزالي ما يقارب كذلك (10) رسائل و ابن تيمية ما يقارب (5) رسائل و الفكر العربي شخصيات و قـضـايا مـا يـقــارب (40) رسـالـة وأطـروحـة10.
إن مرد هذا الميل، إن صح القول بالميل في هذا المقام، يعود إلى انطباع بأن البحث في مثل هذه المواضيع سهل نسبيا، كما أن الاتجاه إلى هذه المواضيع يفرضه في الغالب، العائق اللغوي، إذ أن الطلبة المتوجهون إلى مثل هذه المواضيع طلبة أحاديوا اللغة في الغالب، بالإضافة إلى حضور كبير للقناعة الإيديولوجية و الالتزام السياسي. و عليه يمكن تقديم الملاحظات الآتية :
1.       1. إن ما يمكن ملاحظته على هذه الإحصائيات التقريبية، هو غياب الدراسات الفلسفية من خلال الفلاسفة و نصوصهم و غياب الروح الفلسفية وخاصة عند تناول قضايا ذات العلاقة بتاريخنا أو تراثنا من هنا يلقى ابن تيمية و الغزالي ومالك بن نبي مكانة هامة مع إضافة بعض الموضوعات السياسية ذات العلاقة المباشرة بالإيديولوجية الرسمية في وقتها.11
2.       2. لقد بقيت مواضيع الفلسفة اليونانية و المنطق و خاصة الرياضي منه وكذلك الفلسفة المسيحية و اليهودية و عدد كبير من الفلاسفة الغربيين المحدثين والمعاصرين من دون بحث و هذا لأسباب كثيرة أهمها مرة أخرى العائق اللغوي و غياب النصوص الفلسفية و قلة الإمكانيات المخصصة للبحث مع النظرة السلفية السائدة حول الفلسفة، هو ما يؤدي حتما إلى غياب النقد، خاصة و أنه لا يمكن فصل الجامعة بشكل عام و الفلسفة على وجه الخصوص عن المجتمع الذي تسيطر عليه الثقافة الدينية السلفية، هذه الثقافة المسفهة في الغالب للفلسفة و فعل التفلسف.12
3.       3. إن هذه السلفية في مجال البحث الفلسفي الجامعي، يمليها في الحقيقة عجز كبير في القدرة على البحث و لذلك جاءت الأعمال المقدمة في شكل رسائل جامعية، أقل من الشخصيات المبحوثة أو المواضيع المدروسة، و أن حقيقة هذه البحوث أصبحت مع الوقت مكشوفة للقريب و البعيد، من هنا نجد استعانة أصحابها بنوع من المكر الإداري و التحالفات الشخصية قصد الاسترزاق و العيش.
4.       4. بالإضافة إلى الرسائل الجامعية، هنالك إمكانية للبحث الفلسفي يتمثل في "وحدات البحت" و "مشاريع البحث" و"مخابر البحث" التي تعتمدها الوزارة بناء على اقتراح من الأستاذ الباحث، على أن يكون المشروع المقدم له علاقة بالمسائل البيداغوجية أو العلمية التي تخدم البحث العلمي في الجامعة. و لقد سجلت الفلسفة مجموعة من المشاريع التي تعكس الاهتمامات السابقة، فهنالك مشاريع لها علاقة بالقضايا الوطنية و مشاريع لها علاقة بالفكر العربي المعاصر و مشاريع فلسفية محضة. إن هذه المشاريع بالإضافة، إلى ما تساهم به من الناحية المادية للأستاذ فهي تربطه بالبحث و باستمراره واتصاله بما يجري في العالم. و لكن هذا البحث الفلسفي ما يزال بعيدا عن مقتضيات البحث الفلسفي كما هو ممارس في العالم سواء من ناحية الموضوعات المدروسة أو المناهج المتبعة أو النظرة الفلسفية التي تحكم صيرورة هذه الأبحاث.
رابعا. الخطاب الفلسفي في الجزائر :
أ- الخطاب الفلسفي في المؤسسة الجامعية : لعل جديد الخطاب الفلسفي في الجامعة الجزائرية ليس فقط في تلك الكتابات الفلسفية التي تنتمي إلى تخصصات معينة، و إنما  في ظهور مجلات فلسفية تنتمي إلى أقسام الفلسفة كمجلة "دراسات فلسفية" لقسم الفلسفة بالجزائر العاصمة، و "التبريز" التي تصدر عن قسم الفلسفة التابع للمدرسة العليا للأساتذة بالعاصمة، و مجلة "سيرتا للدراسات التاريخية والفلسفية" بقسنطينة و "المجلة الفلسفية الجزائرية" التابعة لقسم الفلسفة بجامعة وهران. إن هذه المجلات ستسمح في نظرنا – بالرغم من قصر التجربة و قلة الإمكانيات – من بعث خطاب فلسفي يناقش المسائل الفلسفية التي تواجه المجتمع الجزائري و تساهم في بلورة نقاش فلسفي في الجزائر.13  
و من دون شك فإن أفضل حديث عن الخطاب الفلسفي في الجزائر هو الحديث الذي يتناول بالدراسة و التحليل و النقد التيارات الفلسفية الممثلة في الساحة الثقافية الجزائرية، و لكن عدم التصريح و التأسيس لتيارات فلسفية نتيجة الضعف في التكوين و الخوف من الانتساب الصريح لهذا التيار أو ذاك، ماعدا نتيجة للمناخ المعاد للاختلاف في وسط تغلب عليه الثقافة الدينية العامة أو ما سميناه بسلفية شكلية. كل هذا يصعب تصنيف الكتابة الجامعية الفلسفية إلى تيارات فلسفية واضحة المعالم و المميزات، و إن كان من البديهي القول، أن مجموع تلك الكتابات تنتمي بطريقة أو بأخرى إلى تيارات معينة  أو إلى إيديولوجية معينة، و سنحاول أن نقدم صورة لهذه الكتابات الفلسفية بحسب الفروع الفلسفية المعمول بها، مركزين على إنتاجها و نوعية المشاكل التي طرحتها و إن كنا سنتوقف تحديدا عند مفهوم الفلسفة الذي يحمله الخطاب الفلسفي في الجزائر.
أ- تاريخ الفلسفة : لا نجد كتابات فلسفية حول الفلسفة اليونانية و الفلسفة المسيحية – اليهودية،14 و إن كنا نجد بعض المقالات التي صدرت في المجلات التي تنشرها الأقسام الفلسفية تتصل بالفلسفة الغرب15 و تعكس كتابات الدكتور كريبع النبهاني هذا الاهتمام بتاريخ الفلسفة بشكل عام16 وكذلك كتابات الدكتور الربيع ميمون17. و أما في الفلسفة الإسلامية فلقد اشتهرت كتابات الأستاذ عمار طالبي18 وعبد الرزاق قسوم19و أبو عمران الشيخ20 و عبد الحميد خطاب21. الأول عندما حقق أراء ابن العربي ومصطلحات الفلاسفة و بعض نصوص ابن رشد ككتاب الكليات، والثاني عندما كتب عن الزمان عند ابن رشد و بعض القضايا الإسلامية- على أن هذا الأستاذ قد اهتم أكثر بقضايا الفكر العربي المعاصر كما سنبين لاحقا – والثالث عندما كتب عن المعتزلة و حقق كتاب فصل المقال لابن رشد، و هؤلاء يشكلون الجيل الأول للفلسفة و الفلسفة الإسلامية في الجزائر، و أما الرابع الذي ينتمي إلى الجيل الثاني من أساتذة الفلسفة فله مجموعة من الدراسات في الفلسفة الإسلامية والفكر الإسلامي. و أما الفلسفة المعاصرة فعرفت كتابات الدكتور عبد الرحمن بوقاف عن هيغل و الهيغلية22 و بعض أعمال الدكتور عبد الرزاق قسوم و خاصة كتابة "مدارس الفكر العربي الإسلامي المعاصر".
بـ - المنطق و فلسفة العلوم : عرفت كتابات محمد يعقوبي في المنطق الصوري وتاريخه23. كما عرفت بعض مقالات الدكتور أحمد موساوي عن المنطق الرياضي.24
ج- الفلسفة السياسية و الأخلاقية : عرفت في هذا المجال، كتابات الدكتور عبد الله شريط و الدكتور عبد المجيد مزيان. الأول عندما كتب الفكر الأخلاقي عند ابن خلدون 1975، و من واقع الثقافة الجزائرية 1981 ومعركة المفاهيم، و المشكلة الإيديولوجية و قضايا التنمية 1981، و غيرها من الدراسات المختلفة و خاصة ترجمته لنصوص صحفية كثيرة جمعها في مجلدين كبيرين بعنوان : الثورة الجزائرية في الصحافة الدولية 1955 و الثورة الجزائرية في الصحافة الدولية 1956 و مما لا شك فيه أن الأستاذ شريط يتفرد عن جميع أساتذة الجيل الأول بغزارة الإنتاج و ارتباطه بالمسائل و القضايا التي تواجه المجتمع الجزائري و من هنا فخطابه يتميز بخاصية الاتصال المباشر باليومي و الحاضر كما أن هنالك كتابات أخرى حول السياسة وفلسفة التاريخ و قضايا معاصرة متصلة بالإسلام السياسي25.
و لأنه من غير الممكن تتبع إنتاج كل هؤلاء بالدراسة و التحليل و النقد، فإننا فضلنا الاقتصار على دراسة قضية واحدة متعلقة بمفهوم الفلسفة الذي يستندون عليه في دراساتهم و أبحاثهم، لأن هذا الموضوع يشكل، في نظرنا، المدخل المناسب لمعرفة قيمة الفلسفة عند هؤلاء و من ثم إدراك النتائج المترتبة عنها، و هذا من خلال ثلاثة نصوص أساسية ممثلة لتلك المجالات الفلسفية التي ذكرناها سابقا.
1. في تاريخ الفلسفة و الفكر العربي المعاصر : قدم الأستاذ عبد الرزاق قسوم دراسة جديدة بعنوان: " مدارس الفكر العربي الإسلامي المعاصر، تأملات في المنطق..والمصب"26، تتمحور الدراسة حول أسئلة معروفة في الساحة الفكرية العربية تتناول التسمية و الطبيعة، و لأن التحليل ينجم من السؤال فإننا لن ننتظر أكثر من رأي يضاف إلى باقي الآراء التي طرحت في الموضوع. نريد القول أن الكتاب لا يصدر عن إشكالية جديدة، و إنما يطرح سؤالا مكررا و هو : ما هو التعريف الدقيق للفكر الإسلامي المعاصر، من حيث المنهج، و من حيث المستوى؟ هل يمكن اعتبار ما يصدر في فكرنا العربي الإسلامي بالإنتاج الإبداعي الذي يرقي إلى مستوى الفكر المنهجي المنظم الذي يؤهله إلى التنافس الفلسفي، مقارنة بالفلسفات الأخرى؟ يعني البحث عن خصوصية من هنا فإن السؤال إيديولوجي أكثر منه فلسفي. بعد هذا يعمم السؤال إلى العلاقة بين الفكر و الفلسفة، ليصبح الفكر، عند المؤلف، أوسع من الفلسفة، و من ثم – ربما بمفارقة – أفضل منها، في نظره، و ذلك بدليل ما يقوله أحد الباحثين المغاربة27. و التناقض في هذه الحالة جلي، فما دام لنا فكر و ما دام الفكر أوسع و أفضل من الفلسفة، فلماذا التساؤل والبحث عن فلسفة تنافس الفلسفات الغربية؟
الفكر و الفلسفة هو جزؤ من مجموعة من التقابلات التي يطرحها الكاتب وخاصة بين الفكر العربي و الإسلامي و الديني و العلماني، و درءا لكل تناقض يرى الكاتب أن الفكر عربي و إسلامي، مبينا أن الإسلام هو المصدر والإشعاع قائلا : "فالإسلام هو المصدر الإشعاعي، و المنطلق الحقيقي للعقل ممثلا في كتابه المقدس، القرآن، وسنته النبوية المطهرة بوصفهما المرجعين الرئيسيين للمفكرين المسلمين على اختلاف مباحثهم  في التفسير و الحديث، و الفقه و الأصول، و التصوف، و علم الكلام، واللسانيات و الأدب، والنحو، و الصرف، و البلاغة، و هي التي تسهم جميعا في تحديد ملامح ومنهج، و محتوى ما اصطلحنا على تسميته بالفكر العربي        الإسلامي"28.
الفكر الإسلامي أو العقل الإسلامي، كما يرى الكاتب، فإذا كنا قد عرفنا العقل العربي عند الجابري، و العقل الإسلامي عند أركون، فإننا نعرف الآن،العقل إسلامي عند قسوم، و إن كنا لا ندري إلى أين ستنتهي هذه الأنثروبولوجية الثقافية التي أصابت المفكرين العرب و جعلتهم يؤسسون عقولا خاصة بهم، تحكمهم قوانين خاصة يبدعونها و يدعون إليها؟ على أن الأمانة العلمية تتطلب الإشارة إلى أنه إذا كان الجهاز المفاهمي للجابري موضوع مناقشة، و الجهاز المفاهيمي لأركون يتميز بالتعدد و التعقد، فإن قاموس قسوم لا يختلف عن الجاري و العادي في اللغة والأساليب مع صبغة إيديولوجية واضحة، و إن شئنا الدقة، قلنا سلفية صريحة، تلك السلفية المسيطرة على أقسام الفلسفة في بلادنا، كما وصفناها في الصفحات السابقة.
و لكي لا نبدو للقارئ و كأننا نغالي  و نبالغ، فإننا نقدم المثال التالي : يقول الكاتب : " ماذا تعني المعاصرة؟ إنها تعني أن يعيش الفكر الفلسفي لمجتمع ما،عصره، ومتطلبات عصره"29 ليستنتج أن "العقل العربي الإسلامي بالاعتماد على واقعه الحضاري يعيش ما قبل الإسلام بقيمه، و مبادئه ومفاهيمه الإنسانية السامية. بينما الغرب يعيش اليوم – ما بعد العقلانية – في تمرده على المنطق، و على العقل، و بكلمة واحدة على الفلسفة، و هذا ما يفسر سقوطه في البهيمية".30 ألسنا هنا إزاء كتاب مشهور من كتب الحركة الإسلامية المعاصرة : جاهلية القرن العشرين؟ و ماذا يعني أن يعيش الفكر العربي الإسلامي ما قبل الإسلام ؟ ألا يعني الجاهلية بمعناها السلبي والأخلاقي ؟ و ماذا تعني بهيمية فكر ؟ و بأي حق و حقيقة توصف الفلسفة والفكر الغربي بالبهيمية؟ أليست هذه سلفية تفوق كل سلفية و تصدر عن مشتغل بالفكر الفلسفي؟ و ما الذي يميزها، في هذه الحالة، عن تلك السلفية التي نقرأها في كتابات "إسلامية المعرفة" التي يعد الكاتـب أحد مـن مفكريها 31 .
و لأن الفكر العربي الإسلامي، في نظر الكاتب، يعيش ما قبل الإسلام والفكر الغربي متمرد و يعيش في بهيمية، فإن النجاة كل النجاة : " في تحصين ثقافتنا، وفكرنا بألوان عديدة، من عوامل التحصين الكفيلة بإنقاذنا من شر الذوبان في المجتمع الآخر ذي الثقافة المباينة لثقافة مجتمعنا، بكل ما تفرزه تلك الثقافات من مفاهيم، و قيم، قد تنعكس سلبا على سلوك الإنسان المسلم باسم الانفتاح الثقافي أو التعاون العلمي"32. أي ضرورة النقاوة و الصفاء مع البعث عن منقذ و مخلص، و هو حلم جميع السلفيات من دون استثناء.
2. في المنطق و الفلسفة الإسلامية : كتب الدكتور محمود اليعقوبي مقالا بعنوان "وظيفة الفلسفة في المجتمع الإسلامي المعاصر"33 يعد خلاصة لمفهوم الفلسفة عند هذا الكاتب و المؤلف و الأستاذ و مفتش الفلسفة في المرحلة الثانوية لأكثر من عقد. بدأ المؤلف مقاله بأطروحة مركزية و هي أن : "ثوابت المجتمع عبر الزمان و المكان لا يمكن تفسيرها من حيث هي ظواهر اجتماعية إلا بعلل ثابتة لا تتغير بتغير الزمان و المكان."34 معتقدا أن من بين تلك الثوابت، وظيفة الفلسفة.
و المقصود بالفلسفة هو : "النظر العقلي الذي يطلب حقائق الأشياء وعللها من خلال منظور العقيدة الإسلامية. و على هذا فالفلسفة التي نريد التحدث عن وظيفتها في المجتمع الإسلامي المعاصر هي النظر العقلي في مختلف جوانب الإسلام وشريعته"35 بمعنى أن الفلسفة تكف عن طلب الحقيقة في جميع الأشياء، لتقتصر في طلبها في الإسلام و ذلك من منظور عقلي، أي بمعنى أن تقدم تأويلا عقليا للعقيدة و الشريعة، أو ما عبر عنه في نص آخر بفهم الإسلام فهما  عقليا.
يعتقد اليعقوبي أن المشاكل الفلسفية هي لم تتغير أبدا، و تتعلق دائما بالوجود والمعرفة و العمل، فلا جدوى من التطور الحاصل في العلوم و لا فائدة من التطورات التي عرفتها المجتمعات الإنسانية، لأن الفلسفة في اليونان و في أوربا – حسب الكاتب – هي عقيدة و شريعة و لكنهما من صنع خيال الإنسان : " الذي ظن أنه يستطيع أن يفعل ذلك. فجاءت مطامحه سلسلة من الخيبات المتهافتة التي تعبر عن تناقض التفسيرات المقدمة لمشاكل الوجود و لإشكالات المعرفة و لقضايا العمل."36 هكذا بجره قلم تصبح الفلسفة تهافت و يتم إصدار حكم نهائي بإفلاس الفلسفة، وإذا كانت الفلسفة الغربية عند قسوم في مرحلة البهيمية، فإن الفلسفة عند اليعقوبي، قديما وحديثا، متهافتة، لأنها من صنع الخيال بمحاولاته الخائبة.
و إذا كانت الفلسفة على هذه الحالة من السوء، فما هي الفلسفة التي يدعو إليها و يرى أن لها وظيفة ممكنة بالرغم من أنه يعتقد أنها تشكل أحد ثوابت المجتمع الذي و إن تغيرت ظواهره فإن مبادئه ثابتة، مثلها في ذلك مثل ثوابت الأيديولوجية الوطنية. يقول: "إن الفلسفة التي نعتقد أن لها وظيفة تقوم بها في المجتمع الإسلامي المعاصر هي الفلسفة كما مارسها علماء الكلام."37 لماذا؟ لأن علماء الكلام قدموا تصورا إسلاميا للفلسفة و لم يبدعوا تصورات جديدة للوجود و المعرفة و العمل، لأن غرضهم كان إثبات الحقائق الدينية بإيراد الحجج عليها و دفع الشبه عنها، حسب عبارة طاش كبري زاده.
و هكذا نعلم أن علماء الكلام فلاسفة، لأنهم لم يبدعوا تصورات جديدة وإنما دافعوا عن الحقائق الدينية. لسنا ندري إن كانت هذه الخلاصة ستصمد لامتحان التاريخ، و تاريخ علم الكلام الذي هو مجموعة من الفرق والاتجاهات المختلفة... وهكذا يصبح "علم الكلام هو موضوع الفلسفة بمعناها الإسلامي الذي هو النظر في الوجود و المعرفة و العمل من أجل تأييد التفسير الذي تقدمه لها عقيدة الإسلام وشريعته."38
و اعتمادا على قاعدة أن ما يـصـدق عـلى الكـل يـصـدق عـلى الـجـزء، "و اعتمادا على هذا فإننا إذا ما انطلقنا من وقائع المجتمع الإسلامي المعاصر في الجزائر على الأقل، وجدنا أن هذا المجتمع في حاجة إلى ممارسة النظر الفلسفي لضبط صلته بعقيدة الإسلام و بشريعته، من حيث هما منطلق لفهم الوجود و المعرفة و العمل، و/لتفسيرهما؟/، و جدنا أيضا أن هذا المجتمع في حاجة إلى ممارسة العمل الفلسفي لمعرفة موقعه من المجتمعات الأخرى التي يسعى كل واحد منها إلى احتوائه و تمثله و إلى الحلول محله عن طريق استبدال  عقيدة أخرى بعقيدته، و شريعة أخرى بشريعته."39 تلك هي إذن مهمة الفلسفة مجسدة و مطبقة، و تلك هي حاجة الجزائر من الفلسفة، الجزائر التي تعيش حرب الكل ضد الكل، الجزائر التي يعمل الأعداء العلنيون و المتسترون وراء أقنعة كثيرة لكي يبدلوا دينها و عقيدتها و يحلوا محله دينا و عقيدة لا ندري ما هي؟
يعتقد الكاتب أن هذه القضية، مهمة الفلسفة، تشمل كل المجتمعات الإسلامية، و هي حرب حضارية تشمل الجانب المادي و الروحي على السواء، و عليه يتعين على الفيلسوف المسلم أن يخوض تلك الحرب "بكل ما يثبت أن عقيدته هي عقيدة الحق، و أن شريعته هي شريعة الحق، إما بالاحتجاج بالنتائج العلمية. و إما بالاحتجاج بالمبادئ النظرية."40
إن الحق و تصويغ  النتائج العلمية بطريقة ما و المبادئ النظرية يعبر عنها مفهوم العقلانية الإسلامية بوصفها : "العقلانية الفطرية التي يمارسها العقل الصريح الذي يتجلى لدى كل إنسان عند إزاحة رغوة العادات و التقاليد الموروثة. و هذا من شأنه أن يجعل المخالفين أقرب ما يكونون من الاهتداء  إلى الحق متى اعتمدنا في مخاطبتهم العقل الفطري و يجعل الأتباع و الأنصار أقرب ما يكونون من بعضهم بعضا و من عقول المخالفين."41 إن الأمر يتعلق بالأنصار و الأشياع و تأسيس الشيع والفرق  و لما لا الطوائف من جديد.
إن العقلانية الفطرية ستصبح منطقا فطريا يخصص له الكاتب دراسة كاملة42، ولعل المفارقة تكمن في هذا الجمع بين الفطري الذي يفترض أن يكون طبيعيا والمنطقي الذي يفترض أن يكون اصطناعيا، لكن عندما يتعلق الأمر بالتأويل العقائدي، فإن درس التأويل يعلمنا أن لا نهاية للتأويل، و لذا لن نطلب أين يمتحن الصواب مادمنا نعلم أن "إسلامية المعرفة" تدعو إلى فطرة جماعية قائمة على البساطة و بعيدة عن التركيبات الفلسفية المنافية لروح الأمة.
3. الفلسفة السياسية: من منظور غير بعيد و لا مخالف في المهمة، أي المهمة الإيديولوجية أو العقائدية أو السلفية بشكل صريح، يرى الدكتور عبد الله شريط أن مهمة الفلسفة مهمة إيديولوجية، فإذا كانت عند عبد الرزاق الدفاع عن الإسلام والسلف الصالح ضد العلمانيين و إذا كانت الفلسفة عند محمود يعقوبي هي علم كلام وظيفتها الدفاع عن الإسلام و عقائده بالجج النقلية و العقلية، فإن الفلسفة عند شريط مهمتها : "الاهتمام بمشاغل الناس الفكرية المرتبطة بحياتهم الواقعية المعاشة، ومعناها ثانيا استكشاف المستقبل من خلال نبضات الحياة الراهنة بطريقة تتجاوز الواقع... و محاربة المعطلات الخرافية و الانفعالية المفرطة سواء على مستوى الجماهير أو الساسة."43
كما أن دور الفلسفة في المجتمعات المتخلفة يتمثل في : "محاربة الاتباعية الفكرية التي تتم عن طريق غير فكري إطلاقا."44 و يقترح الأستاذ حلا يتمثل في ضرورة تظافر جهود المؤرخ و الفيلسوف، و هذا رأي له أهميته أساسية وخاصة عندما يقول : "مهمة المؤرخ أن يفهم الماضي فهما جديا و في فهمه هذا يصبح التاريخ منظارا يستشف منه الفيلسوف المستقبل. و استشفاف المستقبل من خلال النظرة الجديدة إلى الماضي يصبح حافزا لبناء الحاضر في الحياة الفكرية و الاجتماعية. إن البناء الحضاري يتم بهذه النظرة الازدواجية – استرجاعا و استشفافا – و يجد فيها كل من الفيلسوف و المؤرخ نقطة انطلاقه في عصره"45 .
ليس مهما في نظري، أن نتفق أو لا نتفق، مع الصورة التي يرسمها الكاتب لعلاقة التاريخ بالفلسفة، لكن المؤكد أن انتباهه إلى  هذه العلاقة يعد في نظرنا، الخطوة الأولى لإدراك الفعل الفلسفي و قيمته. و إننا نعتقد أن إدراكه لتلازم علاقة التاريخ بالفلسفة، هو الذي أدى به إلى تثمين دور العقلانية في المجتمع بل و جعلها معيارا يقاس به درجة تطور المجتمع أو تخلفه، يقول : "و لكن الفرق بين المجتمع المتخلف و المجتمع المتمدن في هذا الميدان هو مقدار العقلانية في كل منهما: فبقدر ما تملك المجتمعات المختلفة من شحنة هائلة من الانفعال عند النظر إلى مشكلات الماضي والمستقبل المعقدة، تتمتع المجتمعات المتقدمة بشحنة من العقلانية و الاتزان وضبط النفس و سلطان الرأي في هذه المشكلات بالخصوص."46
إن الموقف من التاريخ و علاقته بالفلسفة و إدراكه لقيمة العقلانية هو الذي أدى به إلى الدفاع عن الفلسفة، و هذا موقف تميز به الأستاذ شريط عن بقية أساتذة الجيل الأول للفلسفة في الجزائر، يقول :"إن العالم المتمدن ما يزال يعتبر الفلسفة هي المشعل الذي يضئ طريق المستقبل، و أن العلم ليس إلا الأداة أو المطية التي نركبها للسير في هذا الطريق بعد أن يضاء. و من ثم كانت المجتمعات التي تمتهن الفلسفة أكثر من غيرها، هي التي تسير أسرع من غيرها رغم بطء تقدم الفلسفة ذاتها. و المجتمعات التي لا تمتلك فلاسفة على الإطلاق أو تعتبر الفلسفة معوقا في طريق التقدم كما هو الشأن في أكثرية بلدان العالم الثالث، هي التي تتعثر أكثر من غيرها في السير لأنها لا تملك المشعل المضيء، و تقضي وقتها في الدوران حول نفسها، و تسمى ذلك سرعة في السير لأنها لا ترى المسافة التي قطعتها أو بالأحرى التي لم تقطعها على الإطلاق."47
كما أن أهم قضية يثيرها، في نظرنا، هي قضية علاقة المعرفة و السلطة وخاصة عندما يقول : "و من أخطر هذا التشوش العقلي خلط السلطة بالفكر، و الأفعال بالرأي، و الرغبة الجامحة، في إثبات الموقف عن طريق الشعارات التي يتفق الجميع على لفظها و يختلفون على محتواها، كما يفعل الساسة المحترفون لا كما يفعل الفلاسفة الباحثون عن الحقيقة كمشكاة محددة و عن حلها كطريق واضح."48
بعيدا عن هذا التصور التقليدي الذي يرى الفكر مستقلا عن السياسة والسلطة فإن المشكلة التي يطرحها الأستاذ شريط مشكلة مركزية في البحث الفلسفي المعاصر : هذه المشكلة التي يصفها في نص آخر قائلا : "إن عدم خضوع السياسة للعلم، و لمبدأ القانون العلمي جعلها أقرب إلى أعمال الصبيان، و لم ترق إلى مستوى العلم كما ارتقى الطب فقضى على الأوبئة الفتاكة."49 إنه منظور وضعي مفهوم، كما أنه يدعو إلى أن تقوم الفلسفة والدين معا و هو أمر معقول في مجتمع ديني، عليه أن يغير نظرته الدينية، وأن يساهم بالتالي في التغيير و التحويل، كما أن حدا أدنى من التخطيط العقائدي لابد لتطور المجتمعات الحديثة – سواء كانت متطورة أو متخلفة  لذا عمل على تقديم مساهمته الإيديولوجية.
بـ- الخطاب الفلسفي في المجتمع : ليس الخطاب الفلسفي في الجزائر، هو الخطاب الجامعي الأكاديمي أو خطاب المؤسسة الفلسفية، بل هو كذلك ذلك الخطاب الخارج عن المؤسسة و الذي ينتشر في الكتابات السياسية والتاريخية والأدبية و الصحفية، و في العلوم الإنسانية و خاصة التاريخ وعلم الاجتماع و علم النفس و الأدب، و لعل كتابات "مالك بن نبي" و"مصطفى لشرف" و"مولود قاسم نايت بلقاسم" و "رضا مالك" و "محمد أركون" و"محمد حربي" و "علي الكنز" و"أبو القاسم سعد الله" و "بختي بن عودة"، تعد من الكتابات الفلسفية القادمة والآتية من فضاءات غير الفضاء الأكاديمي الفلسفي، و كذلك فإن مجلات كمجلة "الأصالة" و "الثقافة" سابقا، و مجلة "نقد" و "إنسانيات" حاليا، من المجلات التي تتضمن العديد من النصوص الفلسفية، و أنه إذا كان من غير الممكن التعرض لكل هذه الكتابات بالدراسة و التحليل و النقد، فإنه من المفيد في نظرنا الإشارة إليها و إلى القضايا الكبرى التي أثارتها، لأن هدف هذه الدراسة هو بالدرجة الأولى هدف منهجي، نحاول من خلاله التعرف على الخطاب الفلسفي في الجزائر و على تجلياته.
فلقد كتب الأستاذ مصطفى لشرف50 عن الأمة و المجتمع و طرح مشكلات متعلقة بالهوية و التاريخ و الحركة الوطنية و مشاكل الثقافة الوطنية من منظور نقدي وتجديدي. و تحدث الأستاذ مولود قاسم نايت بلقاسم عن مسائل الأصالة و التجديد الديني محاولا إيجاد صيغة توفيقية بين متطلبات الحاضر و التزامات الماضي، كما اهتم بمسائل التاريخ الوطني و الثقافة الوطنية وخاصة قضية التعريب51. و يعد الأستاذ مالك بن نبي صاحب مشروع فكري و فلسفي قائم بذاته. اهتم بالتجديد الحضاري للمجتمع الإسلامي و قدم تأويلا خاصا لعلاقة الدين بالمجتمع و التاريخ52 و ناقش رضا مالك مشكلات الأصالة و الحداثـة و التـاريـخ الوطـني و الحـركـة الـوطـنـيـة و الحـداثـة و العـقـلانية53.
كما تعرض لهذه المسائل مؤرخون و علماء الاجتماع كمحمد حربي54 و أبو القاسم سعد الله55 و علي الكنز56، و ذلك عندما طرح الأول مشكلات التاريخ الوطني والحركة الوطنية و خاصة الدولة الوطنية، و الثاني عندما ناقش وحلل بل و أقام تاريخا كاملا للثقافة الوطنية، و الثالث عندما ناقش مسائل الدين و السياسة في الجزائر.على أن الخطاب الفلسفي في الجزائر يتأسس من دون شك بالمشروع الفكري لمحمد أركون المسمى بنقد العقل الإسلامي، هذا المشروع الذي يعد مشروع حداثة وتحديث للفكر العربي المعاصر.حداثة لأنه يستخدم منجزات الحداثة الغربية وخاصة على مستوى المناهج و طرائق البحث و التحليل، و تحديث للفكر العربي - الإسلامي بعد كل ما عرفه من ضغط وانحطاط.57 و كذلك محاولة المفكر المغتال بختبي بن عودة في تفكير الحداثة و ما بعد الحداثة، حيث يقول في سياق تحليله لــ "  الحداثي – العقلي : الخطاب المكتوب في الجزائر نموذجا" : "ها نحن ننسى الربط بين ما دشنه توفيق المدني و مالك بن نبي  و الأشرف و غيرهم، و بين المشاهد الجديدة، فمن أين يبدأ الإنصات إلى الكلمات، أما زلنا نصغي لزلزلة المكتوب، لعطش البياض؟"58 بتعبير آخر ألا يطرح هذا الخطاب الفلسفي، الذي حاولنا وصفه وصفا أوليا، سؤال البحث العلمي، أي ضرورة بحث هذا الخطاب ومناقشته وتحليل إشكاليته و مرجعياته و معرفة مكانته في منظومة الفكر العربي و الإسلامي والعالمي والوقوف عند إسهاماته؟ أليس جديرا البحث في تاريخ هذا الفكر و في القضايا     التي عالجها و المسائل التي طرحها و الأفاق التي فتحها؟ إننا نعتقد أن تحليل الخطاب الفلسفي في الجزائر لا يتم إلا بهذه الخطوة، فبعد عملية الوصف على محدوديتها، نرى أنه من الضروري أن تستكمل بخطوة ثانية تحليلية وتشخيصية و تفكيكية  ونقدية لقضايا و مشاكل و آليات هذا الخطاب الفلسفي.
الخاتمة:
إن هذا العرض التاريخي و المعرفي للممارسة الفلسفية في الجزائر تفرض علينا في نهاية هذا التحليل، تسجيل بعض الخلاصات النقدية التي نراها أساسية و منها :
1- غلبة السياسي على العلمي، و هذا في جميع المستويات و على مختلف الصعد، سواء في التخطيط أو التوجيه أو الإصلاح و التعديل، يقول أحد التقارير الرسمية التربوية : " لاحظ الجميع أن القرار السياسي لا يزال يهيمن على المعيار العلمي و التربوي، و ترتب على هذه الهيمنة انخفاض المستوى الفكري و اللغوي لدى طلبة الفلسفة، و بدا للجميع أن المعطيات الديموغرافية تحكم القرار السياسي الذي يحدد بدوره المستوى العلمي في الجامعة."59
2- غلبة المحيط على المؤسسة، و ذلك نتيجة ضعف المؤسسة التربوية والجامعية و في حالة الفلسفة فإن المحيط يلعب دور المثبط و المعادي والمعيق،  فالمحيط الاجتماعي مناهض للفعل الفلسفي. و إننا نعرف جميعا، العبارة المترددة في شوارعنا و في أحاديثنا اليومية الساخرة و الجادة "كفا فلسفة" و"لا داعي للتفلسف"، مما يعني أن فعل إعمال العقل يتناسب في الوسط الاجتماعي و مضيعة الوقت و التوهم وأكثر من هذا الكذب و المزايدة. و ما عرفته بلادنا، في العشرية الأخيرة، من دوامة دموية، أفقدت الناس الثقة في كل شيء بما في ذلك القدرة على المعرفة و التفلسف، إذ ما جدوى المعرفة أمام ضرورة حفظ النفس و الحياة.
كما عرفت حياتنا الثقافية قمعا و كبتا، لعل أول متضرر منه هي الفلسفة إذا أخذنا من تعريفها الأولى المقدرة على السؤال وإعمال العقل و النقد، وكيف يكون ذلك في جو الرعب و الخوف و الالتباس، خاصة إذا عرفنا أن الفلسفة أصبحت عند قطاع من المجتمع شبهة يجب التبرؤ منها، بل و أكثر من هذا، فلقد أصبحت عدوا يجب التخلص منه، يدل على ذلك المظاهرات المنددة بالفلسفة  و الدعوات إلى غلق أقسام الفلسفة في الثانويات و الجامعات في بداية التسعينات من القرن العشرين، و لقد كتبت في هذه المرحلة، مقالات تدعو من جديد إلى "إلجام العوام من علم الكلام"؟
3- غلبة الكم على الكيف و النوع سواء في الدراسة أو في النجاح، و هذا أمر ناتج من سياسة الجزأرة و ديمقراطية التعليم التي فهمت لا على أساس الحق في الدراسة و لكن الحق في النجاح و الحصول على الشهادات، لذلك تم تطويع المعايير التقييمية لخدمة هذا الهدف، بالإضافة إلى النمو الديموغرافي الذي فرض على الهياكل التربوية و الجامعية استقبال أعداد كبيرة من الطلبة تفوق طاقتها الاستيعابية و قدرتها على التأطير، من هنا نجد أن 90 بالمائة من الطلبة المسجلين في السنة الجامعية الأولى يتحصلون بعد أربع سنوات أو خمس سنوات على شهادة اللسانس.
4- غلبة الذاتي على الموضوعي في الإصلاح و في معالجة المشاكل، من هذا مثلا أننا لا نجد و في كثير من الأحيان أي مبرر للإصلاح أو التعديل كما لا نجد أي تشخيص للوضع القائم قبل الشروع في إصلاحه أو تعديله، و هكذا تأتي معظم الإصلاحات التي تمليها الإرادة ذاتية و ليس الضرورة الموضوعية، أسوأ مما كان معمولا به سابقا، كما تتحول في بعض الأحيان إلى مواقف وقناعات شخصية، وهكذا و على سبيل المثال نجد أنه تقرر إدراج موضوع العنف و الألوهية و مشكلة المصير من خلال النصوص لطلبة السنة الثالثة ثانوي، و ذلك سنة 1993، ثم بعد فترة تم إلغاؤها من قائمة النصوص، لا لشيء إلا لقناعات ذاتية و مواقف سياسية سابقة60.
5- من الناحية المعرفية الفلسفية، نجد غلبة المرجع على المصدر، القول على النص، الشكل على المضمون، التلقين على التفكير، و التوجيه على الكفاءة.
6- من حيث الكتابة نجد غلبة الثقافي و الفكري و الإيديولوجي والسياسي على الفلسفي و العلمي، من هنا نجد انتشار بعض الدراسات التي تنتمي إلى مراحل سياسية وصفت في حينها بالفلسفية، و لا تعدو أن تكون اليوم أكثر من كتابات سياسية و حزبية لا تحمل أي صبغة فلسفية، كتابات انتهت بانتهاء السلط المساندة لها، و لعلنا لا نبالغ إن قلنا أن الخلل الكبير في التكوين و الدراسة الفلسفية، جاءنا من تلك الكتابات التي لم تخلص للبحث الفلسفي بقدر إخلاصها للسياسي والديني، هذا إن صح الحديث عن الإخلاص في هذا المجال، أما إذا أردنا الدقة، نقول أن تلك الكتابات لم تع أهمية التأسيس للخطاب الفلسفي في الجزائر، و إذا أردنا الاحتكام إلى التاريخ نقول أنها كتابات عجزت عن الإمساك بالتحليل الفلسفي، لذلك لم تعد اليوم تنتمي إلى التراث الفلسفي في الجزائر إلا على سبيل التسمية، لا لشيء إلا لأنها كتابات سياسية إيديولوجية و حزبية. إن سيطرة هذا النوع من الكتابة مع التعريب و الجزأرة و أخيرا الأسلمة، أدى ببعض الأساتذة إلى مغادرة أقسام الفلسفة و التوجه نحو تخصصات اجتماعية، و لذلك نجد اليوم في الجزائر خطابات سياسية و تاريخية و اجتماعية ذات مضامين فلسفية ولكنها باللغة الفرنسية.
7- غلبة الأحادية على التعددية في اللغة و الفكر، و غلبة الانغلاق على الانفتاح في مجال البحث و الدراسة، لذا نستطيع القول أن المؤسسة الفلسفية في الجزائر لا تنتج خطابا فلسفيا إلا على سبيل المجاز، و دليلنا في ذلك ما سبق و أن بدأنا به دراستنا و هو عجز هذا الخطاب على مناقشة القضايا الأساسية المصيرية للمجتمع الجزائري و خاصة قضايا التاريخ و الدين والسلطة، و نعتقد من جهتنا أنه ما لم يتم إعادة النظر بجدية في كيفية تدريس الفلسفة و خاصة من حيث ربطها بنصوص الفلاسفة و اتخاذ إجراءات فاعلة فيما يتعلق باللغات الأجنبية و توفير الشروط الأساسية للبحث الفلسفي مع ربطه بما يجري في العالم، فإنه لا يمكن انتظار خطاب فلسفي في الجزائر في مستوى تحديات مجتمع يواجه تطورات القرن الواحد والعشرين.
8- إذا كانت تطغى على الخطاب الفلسفي للمؤسسة الفلسفية النظرة السلفية والشكلية و الوظائف الإيديولوجية السياسية، فإنه خطاب مكتوب باللغة العربية ويعد نتيجة من النتائج المباشرة لعملية التعريب، بل إن كتابه من دعاة التعريب، ولذا يغلب عليه طابع الانغلاق و العتاقة و الامتثالية والتماهي، من هنا نقول أن الفلسفة داخل مؤسساتها لا تعاني من سياسة تعليمية و لا من وضع اقتصادي و لا من ضغط اجتماعي فقط و لكنها تعاني من نظرة و رؤية للفعل الفلسفي، نظرة أقل ما يقال عنها نظرة مناهضة للفلسفة أو مجانبة للفعل الفلسفي بوصفه فعل عقلي حر. أما الخطاب الفلسفي الخارج عن المؤسسة الفلسفية فإنه خطاب نقدي و تأسيسي، يتميز بمرجعياته المختلفة و بإشكالياته المتميزة، و مكتوب باللغتين العربية والفرنسية، و مؤلفوه من الفاعلين في الثقافة الوطنية و ذلك لما يتميزون به من جدية وتفتح و روح نقدية.
الهوامش
[1] يتضمن كتاب السنة الثانية المواضيع الآتية : 1- مدخل إلى الفلسفة. 2- الاستدلال و مبادئ العقل. 3- المنطق الصوري. 4- الفلسفة الإسلامية و تتكون من: فلسفة التشريع، علم الفقه، علم أصول الفقه، علم الكلام، الفرق الكلامية، الفلسفة من منظور الغزالي مع إشارة إلى ابن رشد. و هنالك توصية في البرنامج جديرة بالملاحظة، تنص هذه التوصية على : "أن جميع المسائل الواردة في البرنامج، إن كان للمفكرين المسلمين فيها رأي، فإنه يتعين على الأستاذ أن يتعرض لهذا الرأي مع التلاميذ.".- ص. 35 ؛ من برنامج الفلسفة، ديسمبر 1990.
2 الجامعة الصيفية لتعليمية الفلسفة، مفتشية  الأكاديمية لمحافظة الجزائر الكبرى.- ص.01.
3 مذكرة توجيهية في تدريس الفلسفة، رقم 725/01/04 م-ع/96.- الصفحة رقم 01.
4 كمثال على هذا الإظطراب، نشير إلى النصوص المختارة للسنة الثانية حيث يعترف محرروا برنامج النصوص بالقصور و العجلة، متذرعين في ذلك بعامل الوقت، يقولون: "حتمت الظروف المشار إليها، إدراج نصوص قد لا تصلح للتحليل (هكذا حرفيا) نظر لعدم توفر شروط ذلك فيها (هكذا مرة آخرى) غير أنها مفيدة من الناحية المعرفية.".- ص01 ؛ كيف يكون ذلك؟ من : كتاب النصوص للسنة الثانية ثانوي. عدد النصوص المختارة: 13 منها 04 نصوص للفلاسفة، و الباقي لمؤلفين و مؤرخين و فقهاء و علماء الكلام؟
5 الجامعة الصيفية لتعليمية الفلسفة.- ص.ص. 02-03.
6 من بين الأهداف الأساسية للبرنامج: هنالك الهدف الثقافي و يتمثل في: العمل على تدعيم السلوك العقلاني بصفة عامة في الحياة الاجتماعية و النفسية و الفكرية و الدراسية. و هنالك أهداف معرفية تتمثل في : 1- إطلاع التلميذ على التراث الفلسفي الإنساني و الإسلامي بخصوصياته.2- التعرف على الأصول الفلسفية للثوابت الوطنية.3- توعية التلميذ بمبادئ حقوق الإنسان و العدالة الاجتماعية و واجبات المواطنة و تنظيم المجتمع.4- إطلاعه  على الصراع الثقافي و الإيديولوجي السائد في العالم المعاصر. و أهداف منهجية مثل: تنمية القدرة على طرح المشاكل الفلسفية، القدرة على النقد وإصدار الأحكام...الخ أنظر ص  01 من برنامج الفلسفة للسنة الثانية والثالثة، على السواء، و الصادرين على التوالي في سنتي  1992و1993 .
7 Lardjane, Omar : Le Statut du Sujet dans les Manuels de Philosophie Algériens.- in Revue NAQD, N°05, Avril -  Août, 1993.- p. 50.
8 في بعض الأحيان مثلا, أعمد إلى تقديم معلومات خاطئة و لا أجد طالبا واحدا يعترض على ذلك، بل الأسوأ أجد الجميع يسارع إلى تسجيل تلك المعلومات، وهذا يعني أن الطالب لا يقوم بعمليات الربط المنطقية أو التاريخية حيث يغيب في الحالة الأولى البرهان و في الثانية التسلسل و التأكد من الوقائع، في الحالة الأولى يقبل بالتناقض و في الحالة الثانية يقبل الانتحال و التزوير و لا يعمل على التأكد أو التحقق، أي يتجاهل الحقيقة فما هو هذا الطالب الفلسفي الذي يقبل التناقض و يتنكر للحقيقة؟
9 محاولة منا لتجاوز بعض الصعوبات في المحاضرة اتبعنا الطرائق التالية و هذا بعد أن نقدم المحاور التي ستدرس خلال السنة و المراجع و المصادر بأكثر من لغة. في البداية اتبعنا طريقة التحدث عن الموضوع من دون الإملاء و لقد وجدنا أن المعلومات و الأفكار التي يسجلها الطالب خاطئة سواء في كتابة أسماء الأعلام أو أفكارهم مع عدم التمييز بين رأي الفيلسوف و المؤلف و التعليقات، ثم حاولنا الإملاء نسبيا فوجدنا أن الطالب يشعر بضرورة كتابة كل شيء حتى المكرر من التعبيرات و أصبحت المحاضرة عبارة عن الإملاء مما يستبعد كلية عملية الفهم لأن الطالب يشد إلى الكتابة. لذلك عملنا على اعتماد طريقة تجمع بين الشرح و الإملاء، و هذا نظرا  لحاجة الطالب إلى المعلومات في ظل غياب الكتاب المناسب و المفيد، و هكذا قسمنا المحاضرة إلى شرح لموضوع الدراسة ثم بعد ذلك تقديم خلاصة مركزة مع الإحالات المنهجية اللازمة و كتابة أسماء الأعلام و الأعمال و فتح باب المناقشة داخل المحاضرة ليس فقط عن طريق الاستماع إلى الأسئلة  بل بطرح الأسئلة و خاصة المناحي الإشكالية في الموضوع. نعتقد أن هذه الطريقة قد قربتنا أكثر من الطالب و إلى كيفية استقباله للموضوع – الرسالة. و لكن هذه الطريقة تواجه مشكلات أو عقبات أولها مسألة الزمن، أو الوقت المخصص للمحاضر بساعة و نصف، لا يسمح بالإلمام بالموضوع و لا التقدم في محاور المقياس، بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من الطلبة، و هي وضعية تصعب فعلا من التعرف على الطالب. و لكن نعتقد أن حصة التطبيق تساهم نسبيا في تذليل بعض من تلك الصعوبات و ذلك عندما يكون الأستاذ المحاضرة هو الأستاذ المطبق و لكن نعلم تماما أن الأعداد الكبيرة.../... من الأفواج لا يسمح للأستاذ بمتابعة هذه العملية في التطبيق و من الصعب التأكد أن الأستاذ المطبق سيتبعها ليس فقط لعدم المقدرة و لعدم الالتزام و لكن لأن الأستاذ المطبق له الحق أن يختار الطريقة التي تناسبه في تعميق المحاضرات رغم أن هنالك اتفاق حول الموضوعات التي يجب أن تدرج في حصة التطبيقات، مع ضرورة الإشارة إلى غياب المرجعية العلمية و السلطة المعرفية التي تفرض احترام التخصصات و المراتب و هو ما يطرح مشكلات أخلاقية متعلقة أساسا بأخلاقيات الدراسة الجامعية عموما.
إن طول و عمومية مادة المقياس و أي مقياس دفعتنا إلى أن نقدم في مقياسي فلسفة اللغة و فلسفة العلوم المفاهيم العامة لهذين المبحثين و عادة ما يكون ذلك في السداسي الأول بحيث نحاول الإحاطة بمجمل مفاهيم فلسفة العلوم و اللغة، كالحديث مثلا في مفهوم نظرية المعرفة و فلسفة العلوم و الإبستمولوجية و تاريخ العلوم والنظريات العلمية و المنهج العلمي بالنسبة لفلسفة العلوم، و فقه اللغة و الألسنية و التأويل و التحليل المنطقي و التحليل اللساني و الخطابي بالنسبة لفلسفة اللغة... الخ، و كل هذا ضمن منظور تاريخي و تحليلي و نقدي. ثم نخصص السداسي الثاني إما إلى شخصية فلسفية كراسل أو كارناب أو باشلار في فلسفة العلوم أو فيدجنشتين و غدمار وميشال فوكو في فلسفة اللغة، أو لمحور من المحاور كفلسفة العلوم و العلوم الصورية أو كفلسفة اللغة و التحليل المنطقي للغة بحيث نحاول من جهة ربط تلك المفاهيم المقدمة في السداسي الأول مع مفاهيم تلك الشخصية أو المحور و هكذا يكون للطالب قاعدة أو خلفية للمناقشة و البحث، ثم نحاول تعميق بعض مسائل تلك الشخصية المدروسة من خلال إشكالياتها و نصوصها و كل ذلك ضمن طرح تاريخي لفكر الفيلسوف و  تحليل لمضمون آرائه. إن هذه العملية التي نجريها على مستوى المحاضرة ندعمها بما يماثلها في التطبيق. فلقد كان المعمول به هو تكليف الطلبة بتقديم بحوث في عنصر من عناصر المقياس، و لكن وجدنا بعد فترة زمنية أن الطالب يعمد إلى السلخ و النقل و التكرار و الإعادة، من غير فهم أو إدراك، مع بقاء في العموميات و إخلال بالمنهج و التحليل. من هنا قررنا الإلغاء الكلي للبحوث و التركيز فقط على نصوص الفلاسفة و لكن هنا واجهتنا صعوبتين, الأولى متصلة بالحصول على نصوص ممثلة لكل عناصر المقياس و خاصة في مقياسي فلسفة العلوم و اللغة حيث النصوص نادرة، و الصعوبة الثانية متعلقة باللغة فليس هنالك نصوص بالعربية و أغلب النصوص باللغات الأجنبية، و الصعوبة الثالثة متعلقة بالطريقة أية طريقة نوظفها في تحليل النصوص بما يتماشى و المستوى الجامعي؟ لقد حاولنا نتغلب على الصعوبة الأولى من خلال تكليف أكثر من طالب لتحليل نص واحد مع تحديد للعنصر الذي يجب أن يقوم به كل طالب، مثل الدراسة اللغوية أو الأفكار أو النقد و التعليقات، و هكذا عملنا على جمع أكبر عدد ممكن من النصوص الفلسفية التي ترجمنا بعضها إلى العربية و لكن هذه العملية تواجه صعوبة أخرى و هي أن النص المترجم يبق مبتورا و الطالب لا يستطيع العودة إلى النص الأصلي في مجمله، أما الطريقة، طريقة التحليل، فإننا و نحن على وعي تام بأن الطالب في الجامعة غيره في الثانوية، إلا أننا أبقينا على الطريقة الكلاسيكية في قراءة النصوص و تحليلها، على ما فيها من نمطية و تبسيط و تكرار، أي التركيز على اللغة و الأفكار   و الحجج و البراهين و التعليقات.
إننا نعتقد أن الطالب بهذه الطريقة قد اتصل، نسبيا، بالنص الفلسفي، كما أنه يحاول التعمق من خلال عمل جماعي يدفعه نحو البحث، كذلك استحدثنا طريقة في التقييم بغرض دفع الطالب نحو المناقشة و السؤال والبحث و ذلك من خلال تكليف لجنة من الطلبة لتقييم النص المقدم من طرف زملائه بحيث تتكون هذه اللجنة عادة من ثلاث طلبة يختص الأول بمسألة الشكل و الثاني بعلاقة النص بالأفكار المدروسة و الثالث بالإلقاء والمناقشة وكل هذا بغرض المشاركة و التحفيز، علما أننا نعطي دائما الأولية لمجموع طلبة القسم في السؤال والمشاركة ثم من بعد ذلك نسمح للجنة التقييم بالتدخل و تقديم ملاحظاتها و السماح للطلبة المحللين بالرد على الملاحظات. و دفعا لعملية المشاركة، ربطنا كل ذلك بالتقييم و العلامة بحيث أن الطالب المقيم يعطي لزميله العلامة التي يستحقها و الأستاذ ينظر في العلامة المقدمة و يقيم الطالب المقيم, و هكذا تكون العملية متعدية بحيث لا تسمح لأي طالب أن يميل نحو الذاتية لأنه على علم بأنه يخضع للتقييم، فالطالب الذي يقدم النص يعلم أن زميله سيقيمه تقييما موضوعيا لأن تقييم زميله سيقيم  من طرف الأستاذ، و أن الطالب المقدم للنص ستعطى له علامة ليس فقط بناء على علامة الطالب المقيم و لكن بناء على ما قدمه مادام الأستاذ سينظر في علامة تقييم الطالب. و هكذا فإن العلامتين، علامة الطالب المقيم و علامة الأستاذ تكونان نتاج العمل المشترك القائم على المناقشة و الحوار و إدراك الأخطاء و تثمين للجهود، لأنه في نظرنا أن مشكلة الدرس الفلسفي هو مشكلة تعليم التفلسف و ليس الفلسفة و أن هذا التعليم يتم عبر الحوار، و السؤال, و التحليل، و الكشف عن منطق الفكرة.
إن التفلسف بما هو توليد للفكرة و للرأي الآخر، و خدمة الفكرة و تعميقها، بواسطة الشك و إدراك العلاقات والمضامين و المسارات أو السياقات، لأنه من خلال السؤال تنتقل المعلومات و العمليات الاستدلالية كالبرهان والقياس والمقارنة و النقد و الاعتراض، بحيث تتحول حصة التطبيق إلى نوع من النشاط الفلسفي و ذلك بإحلال المحادثة و المحاورة الفلسفية. لكن هذه الطريقة التي لمسنا بعض الفائدة منها تواجه صعوبة الوقت و صعوبة الإعداد الكبيرة من الطلبة، مما يمنعنا من تعميمها على جميع المستويات.
10 نقول تقريبية لأننا اعتمدنا على الإحصائيات الأخيرة التي قدمها لنا رؤساء أقسام الفلسفة الذين نشكرهم على تعاونهم معنا.
11 مثال على هذا النوع من الرسائل: 1-  تبلور أسس الفكر الاشتراكي في الجزائر. 2- الحركة الدينية والإصلاحية في منطقة القبائل 1920 –1954. 3- الأصول التاريخية للنزعة الديموقراطية للدولة الجزائرية؟
12 لقد قامت في الجزائر، في بداية التسعينات مظاهرات في الشوارع تطالب بإلغاء تدريس الفلسفة في المنظومة التربوية، كما انبرت جرائد للإعلان عما كانت تسمية بـ : " منع الكلام عن العوام" و تم التظاهر ضد جرائد تنشر الفكر و الثقافة و تم توقيفها بالفعل، و أكثر من هذا كله هنالك مثقفون و صحافيون و أساتذة تم اغتيالهم في وضح النهار... إن هذا الجو لا يسمح في الحقيقة بالحياة و العيش فكيف بالتفكير أو الكتابة...؟ 
13 صدر إلى حد الآن 05 أعداد من مجلة دراسات فلسفية و 12 عدد من مجلة التبريز و 12 عدد من مجلة سيرتا للدراسات التاريخية و الفلسفية و عدد واحد 01 من المجلة الفلسفية الجزائري لقسم الفلسفة بوهران.
14 ربما بمفارقة عجيبة أن القديس أوغستين بالرغم من انتمائه لتاريخ الجزائر القديم إلا أنه مقصى من الدراسة والبحث، و لقد اتخذت مؤخرا مبادرة هامة من طرف الرئاسة لعقد المؤتمر حول هذه الشخصية التي سبق و أن تناولتها الأقلام الجزائرية بالنقد و حتى التجريح باعتباره قديس الرومان لا يتصل بالجزائر في شيء، يمكن العودة في هذا السياق إلى مجلة "الأصالة" و إلى جريدة "الشروق الأسبوعية" التي خصته بملف كامل. و لقد سبق لنا أن تناولنا بعض جوانب حياته بالدراسة بمناسبة ملتقى "حول أعلام الجزائر في التاريخ" عقد في مدينة بسكرة و من تنظيم وزارة الثقافة، و ذلك في سنة 1992، أثار حفيظة الحاضرين و كان أهم سؤال طرح علينا هو : كيف يعد القديس أوغسطين علما من أعلام الجزائر و هو المسيحي و اللاتيني؟ كان ذلك زمن الثقافة الأحادية.
15 أنظر مثلا إلى العدد الثالث و الرابع من  مجلة دراسات فلسفية، و خاصة دراسة عبد الرحمن بوقاف حول: نشأة النسق الهيغلي و نهاية الفلسفة السياسية للدكتور محمد العزوقي. و لقد نشرنا مؤخرا دراستنا حول: مفهوم الخطاب في فلسفة ميشيل فوكو، المجلس الأعلى للثقافة، 2000.
16 Les Philosophes de L’Islam, 1980. Le bien et le mal d’après le qoràn, 1984. Restauration des sciences religieuses d’alghazali, 1985. Humain Universel, 1989. Philosophes de l’humanité, 1995.
تعد هذه الكتابات الفلسفية كتابات عامة موجهة للقارئ العام و للطلبة المبتدئين لأنها تقدم تعريفات عامة عن حياة الفلاسفة مع نظرة عامة عن فلسفاتهم، طبعا ماعدا أطروحته حول الإنسان الكوني أو العالمي حيث نجد هنالك أطروحات حول الفرد و الإنسان و أصالة الإنسان و علاقة الفنان بالعمل  الفني إلى غيرها من المواضيع التي تستحق الدراسة، كما أنه من المهم الإشارة إلى أن هذا الأستاذ يكاد يكون الأستاذ الوحيد الذي يكتب باللغة الفرنسية في أقسام الفلسفة في الجزائر، و لذلك بقيت كتاباته مجهولة.
17 الدور الديكارتي. و، نظرية القيم في الفكر المعاصر، بين النسبية و المطلقية.
18 أراء أبي بكر بن العربي، و اصطلاحات الفلاسفة.
19 مفهوم الزمان في فلسفة ابن رشد.
20 الحرية عند المعتزلة.
21 الغزالي بين الدين و الفلسفة، 1986. معالم في الفلسفة الإسلامية،1991. الوضع العقائدي و مجيء الإسلام، 1992. مفهوم الحرية بين الدين و الفلسفة و العلم،1999.
- ملاحظة : هذه الدراسات في غالبيتها رسائل جامعية في الأصل.
22 نشأة النسق الهيغلي، في, مجلة دراسات فلسفية، العدد الثالث و الرابع، 1996- 1997.
ملاحظة: لمزيد من الإطلاع على كتابات الأساتذة، ينظر المجلات التي تصدرها أقسام الفلسفة على وجه الخصوص. و إنه لمن البين أننا لا نقوم بعملية إحصاء شاملة لما يكتب، فهذا ليس هدفنا، و إنما غاية ما نهدف إليه هو إعطاء صورى تقريبية للإنشغالات الكبرى للبحث الفلسفي في الجزائر.
23 مثل دروس في المنطق الصوري 1993 و ابن تيمية و المنطق الإرسطي 1987 و مسالك العلة و طرائق الإستقراء بين الأصوليين و جون إستوارت ميل و المنطق الفطري في القرآن و ترجمة لكتاب تريكو المنطق الصوري و كتابات في المنهجية و التربية مثل أصول الخطاب الفلسفي 1995 و المدخل إلى المقالة الفلسفية 1991 و الوجيز في الفلسفة 1971 و المختار من النصوص الفلسفية 1972 و معجم الفلسفة 1981 بالإضافة إلى عدد من الدراسات والمقالات المتعلقة بالتربية و التي نقرأها في مجلة المبرز بوجه خاص التي يرأسها.
24  منطق المحمولات من الرتبة الأولى، في, دراسات فلسفية، العدد الأول، 1996.
25 يشغل حاليا هذا الأستاذ منصب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، و لعله من بين الأسئلة التي يجب على كل تفكير فلسفي في الجزائر أن يطرحه هو : ما هي علاقة الفلسفة في الجزائر بالدين و المؤسسة الدينية على وجه الخصوص؟ ذلك أن هنالك الكثير من حملة الشهادات الفلسفية قد شغلوا مناصب دينية كأعضاء في المجلس الإسلامي الأعلى، وزراء و مسؤولون في الوزارة و دعاة يقدمون الأحاديث الدينية في وسائل الإعلام و خاصة في التلفزة؟
و كذلك من بين الأساتذة الذين كتبوا في الفلسفة السياسية الدكتور محمد بلعزوقي المختص في الفلسفة الأمريكية وجون ديوي على وجه الخصوص, و الدكتور إسماعيل زروخي صاحب كتاب : الدولة في الفكر النهضوي العربي.
26 عبد الرزاق قسوم : مدارس الفكر العربي الإسلامي المعاصر، تأملات في المنطلق.. و المصب، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1997.
27 المرجع نفسه.- ص. 9. و الكاتب المغربي المقصود هو : محمد زنيبر و ذلك عندما يقول : "و بذلك يتحول الفكر – على حد تعبير المؤرخ المغربي" محمد زنيبر "- "إلى شجرة تمثل الفلسفة فيها غصنا من الأغصان."
28 المرجع نفسه.- ص.7.
29 المرجع نفسه.- ص.10.
30 المرجع نفسه.- ص.11.
31 أنظر: قسوم، عبد الرزاق: في إطار أسلمة العلوم الإنسانية : نحو منهجية إسلامية في الفكر و البحث العلمي.- مجلة الموافقات، العدد الأول، جوان 1992.
32 المرجع نفسه.- ص. 12.
33 د. يعقوبي،  محمود : وظيفة الفلسفة في المجتمع الإسلامي المعاصر.- المبرز، العد،4، 1994.
34 المرجع نفسه.- ص.67.
35 المرجع نفسه.- ص.67.
36 المرجع نفسه.- ص.68.
37 المرجع نفسه.- ص.68.
38 المرجع نفسه.- ص.69.
39 المرجع نفسه.- ص. 72.
40 المرجع نفسه.- ص. 73.
41 المرجع نفسه.- ص.76.
42 أنظر: محمد يعقوبي: المنطق الفطري في القرآن الكريم، ديوان المطبوعات الجامعية، 2000.
43 د. شريط، عبد الله : المشكلة الإيديولوجية و قضايا التنمية.- الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1981.- ص.05.
44 المرجع نفسه.- ص.6.
45  المرجع نفسه.- ص.6.
46 المرجع نفسه.- ص.7.
47 المرجع نفسه.- ص.10.
48 المرجع نفسه.- ص.10.
49 المرجع نفسه.- ص.19.
50 الأشرف، مصطفى : الجزائر : الأمة و المجتمع.- ترجمة حنفي بن عيسى، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1983.
51 مولود قاسم نايت بلقاسم : أنية و أصالة، منشورات وزارة التعليم الأصلي و الشؤون الدينية، و, أصالية و انفصالية، 2ج، و شخصية الجزائر الدولية و هيبتها العالمية قبل سنة 1830، 2ج.
52 آراء مالك بن نبي معروفة و هنالك دراسات كثيرة حول أعماله، و هو شخصية معروفة في العالم العربي والإسلامي، له دراسات عديدة، منها على وجه الخصوص : الظاهرة القرآنية، شروط  النهضة، وجهة العالم الإسلامي.
53 Malek, Redha : Tradition et Révolution, le véritable enjeu.- éd. Bouchene, 1991.
54 حربي، محمد : الثورة الجزائرية، سنوات المخاض.- ترجمة نجيب العياد و صالح المثلوثي، موفم للنشر، 1994. و كذلك:
Le FLN, Mirage et Réalité, des origines à la prise du  pouvoir 1945 – 1962, ed, Naqd / ENAL, 1993.
55 أبو القاسم، سعد الله : تاريخ الجزائر الثقافي.- أمن القرن العاشر إلى الرابع عشر الهجري (16-20) المؤسسة الوطنية للكتاب، 1985.
56 علي الكنز الإسلام و الهوية، ضمن بحوث : الدين في المجتمع العربي، م.د.و.ع بيروت 1990. وكذلك.- Au fil de la crise, éd. Bouchene, 1989.
57 أركون, محمد : الفكر العربي,1982, تاريخية الفكر الإسلامي, 1986, الفكر الإسلامي, قراءة علمية, الإسلام – الأخلاق و السياسة, 1990, الفكر الإسلامي, نقد و اجتهاد, 1986.
58 بختي، بن عودة : رنين الحداثة.- منشورات الاختلاف، وزارة  الاتصال و الثقافة، 1999.- ص.59.
 59نص تقرير اللجنة الفلسفية الوطنية، لسنة 1992.- ص.47.
60 يضمن البرنامج النصوص الآتية : نص لفرويد حول العنف و القوة، و نص لكونراد لوانز حول العدوان، ونصين لعبد الرحمن بن خلدون حول الخير و الشر و العدوان، و نص لهيجل حول العنف و أخر  لسبنوزا ونيتشه و ماركس و مارسيل غوشيه. أنظر الصفحات 29- 48، من كتاب, نصوص فلسفية، للسنة الثالثة ثانوي، مديرية برامج التعليم الأساسي و الثانوي، ماي 1993.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية؟

قارن بين العلم والفلسفة (خاصة بالعلميين واللغات)

هل معيار الحقيقة العمل النافع أم تأمل الإنسان لعالمه الداخلي؟