السؤال:هل أصل المفاهيم الرياضية العقل أم الحواس؟


السؤال:هل أصل المفاهيم الرياضية العقل أم الحواس؟
مقدمة: لقد أولع الإنسان منذ الزمن الغابر على طلب الحقيقة بكل أصنافها ؛ منها النمط الفلسفي و النمط العلمي و أعظمها شأنا النمط الرياضي ، الذي واكب كل تطورات الإنسان عبر العصور و ميز أعظم الحضارات بقوتها المادية ، لكن التفكير الفلسفي - سيد المعارف في العصور القديمة و العصور الوسطى – اهتم بالمعرفة الرياضية اهتماما تعلق بمناهجها ، بمنطلقاتها ، و قبله تساءل حول نشأتها ؛ فانقسم المفكرون في تفسير نشأة المفاهيم الرياضية إلى نزعتين ، نزعة عقلية يرى أصحابها أن المفاهيم الرياضية من ابتكار العقل دون التجربة ، ونزعة تجريبية يذهب أنصارها إلى أن المفاهيم الرياضية مهما بلغت من التجريد العقلي ،لهذا نتساءل: هل مصدر الرياضيات فطري أم مكتسب؟ وبعبارة أخرى: هل الكائنات الرياضية من حيث نشأتها تعود إلى العقل أم إلى الواقع؟

الموقف الأول : يرى أنصار الموقف الأول أن أصل المفاهيم الرياضية العقل ويمثل هذا الموقف المذهب المثالي والعقلي بزعامة كل من أفلاطون،روني ديكارت،إيمانويل كانط وقد اعتمدوا على مجموعة من الحجج لتبرير موقفهم أهمها:
 إن المفاهيم الرياضية نابعة من العقل و موجودة فيه قبليا ، أي بمعزل عن كل تجربة . فهي توجد في العقل قبل الحس أي أن العقل لم يفتقر في البداية إلى مشاهدة العالم الخارجي حتى يتمكن من تصور مفاهيمه، ذلك أننا إذا تصفحنا تلك المعرفة وجدناها تتصف بمميزات منها ، المطلقية و الضرورة والكلية، وهي مميزات خالصة موجودة في المعرفة الرياضية،وتتعذر في غيرها من العلوم التي تنسب إلى التجربة.
ويؤكد الفيلسوف اليوناني أفلاطون الذي أعطى السبق للعقل الذي كان يحيا في عالم المثل ، وكان على علم بسائر الحقائق ، ومنها المعطيات الرياضية الأولية التي هي أزلية وثابتة مثل المستقيم و الدائرة و التعريف الرياضي ويقول في هذا الصدد "الدائرة هي الشكل الذي تكون جميع أبعاده متساوية عن المركز"
كما يرى روني ديكارت أن المعاني الرياضية من أعداد و أشكال رياضية هي أفكار فطرية مثل فكرة الله وما يلقيه الله في الإنسان من مفاهيم لا يجوز فيه الخطأ . والمعاني الرياضية التي وجدها تتميز بالبداهة والوضوح وعلى منوالها فيما بعد بنى نظرتيه المعرفية مؤسسا للمذهب العقلي. وأيده في ذلك إيمانويل كانط الذي اعتبر أن المكان و الزمان مفهومان مجردان سابقان لكل تجربة و لا يمكن للمعرفة أن تتم إذا لم تنتظم داخل إطار الزمان والمكان القبليان.
 
النقد : لكن مهما بدت هذه المعاني الرياضية مجردة فإنه لا يمكن القول بأنها مستقلة عن المعطيات الحسية وإلا كيف يمكننا أن نفسر الاتجاه التطبيقي للهندسة والحساب لدى شعوب الحضارات الشرقية القديمة .

الموقف الثاني: يرى أنصار الموقف الثاني أن أصل المفاهيم الرياضية الحواس ويمثل هذا الموقف المذهب الحسي والتجريبي بزعامة كل من جون لوك و دافيد هيوم وجون ستيوارت مل،وقد اعتمدوا على مجموعة من الحجج لتبرير موقفهم أهمها:
أن المفاهيم الرياضية مثل جميع معارفنا لم ترد على الإنسان من أي جهة أخرى غير العالم الواقعي الحسي أو التجريبي فهو مصدر اليقيني للمعرفة،وبالتالي لجميع الأفكار والمبادئ ، وأن كل معرفة عقلية هي صدى لإدركاتنا الحسية عن هذا الواقع،وعلى هذا الأساس تصبح التجربة المصدر اليقيني لكل معارفنا ، وأنها هي التي تخط سطورها على العقل الذي هو شبيه بالصفحة البيضاء ، وليس ثمة في ذهنه معارف عقلية قبلية مستقلة عما تمده لنا الخبرة وتلقنه له الممارسات والتجارب ، و في هذا يقولون:"لايوجد شيء في الذهن ما لم يوجد من قبل في التجربة "
ويؤكد دفيد هيوم على أنه من يولد فاقد للحاسة لا يمكنه بالتالي أن يعرف ما كان يترتب على انطباعات تلك الحاسة المفقودة من أفكار . فالمكفوف لا يعرف ما اللون والأصم لا يعرف ما الصوت . أما مل يرى أن المعاني الرياضية مثل النقاط والخطوط والدوائر " مجرد نسخ "جزئية للأشياء المعطاة في التجربة الموضوعية . ولهذا ، فإن الرياضيات تعتبر عند مل وغيره من الوضعيين المعاصرين علم الملاحظة .
كما توجد شواهد أخرى تؤيد موقف التجربيين منها أصحاب علم النفس وأصحاب علم التاريخ . فالطفل في نظر علماء النفس في مقتبل عمره يدرك العدد مثلا ، كصفة للأشياء وأن الرجل البدائي لا يفصله عن المعدود ، إذ نراه يستخدم لكل نوع من الأشياء مسميات خاصة ، وأكثر من ذلك فلقد استعان عبر التاريخ عن العد بالحصى وبالعيدان وبأصابع اليدين والرجلين وغيرهما وهذا ما يدل على النشأة الحسية والتجريبية للمفاهيم الرياضية بالنسبة للأطفال والبدائيين لا تفارق المجال الإدراكي الحسي وكأنها صفة ملابسة للشيء المدرك . وأكد الدارسين لتاريخ العلم أن الرياضيات قبل أن تصبح معرفة عقلية مجردة قطعت مرحلة كلها تجريبية فالهندسة ارتبطت بالبناء والتصاميم وتقدير مساحات الحقول والحساب ارتبط بعد الأشياء فقط من أجل تحديد القيمة . الجمع والطرح والقسمة الضرب وهذا ما نجده عند الفراعنة والبابليين .
النقد : لكن مهما بدت هذه المعاني الرياضية محسوسة وتجريبية فإنه لا يمكن القول بأنها مستقلة عن المعطيات العقلية التجريدية وإلا كيف يمكننا أن نفسر المطلقية في الرياضيات " لرياضيات تكون صحيحة متى ابتعدت عن الواقع" وتأثيرها على جميع العلوم إلى درجة أصبحت معيار كل العلوم .
التركيب : يرى أنصار الموقف الثالث أن المفاهيم الرياضية وليدة العقل والتجربة معا،إذ نجد أن المهذبين المتعارضين في تفسير نشأة المفاهيم الرياضية قد فصلوا تماما بين العقل والتجربة،رغم أن تاريخ الرياضيات يبين لنا أن المعاني الرياضية لا يمكن اعتبارها أشياء محسوسة كلها،ولا مفاهيم معقولة خالصة،بل يمكن أن يتكاملا معا لتفسر نشأة المعاني الرياضية،لأن هذه المعاني لم تنشأ دفعة واحدة،بل نمت وتطورت بالتدرج عبر الزمن،فقد بدأت المفاهيم حسية تجريبية في أول أمرها،ثم تطورت وأصبحت مفاهيم استنتاجيه مجردة،بل تعبر عن أعلى مراتب التجريد،باستعمال الصفر،الأعداد الخيالية،والمركبة، والمنحنيات التي لا مماس لها ...لهذا قال " جان بياجي " : " إن المعرفة ليست معطى نهائيا جاهزا،وأن التجربة ضرورية لعملية التشكيل و التجريد" .
الرأي الشخصي:إني أرى بدوري أن المفاهيم الرياضية........................(خاص بالتلميذ مع التبرير)
مقدمة: نستنتج من خلال التحليل السابق أن الرياضيات هي عالم العقل والتجريد ، وليس هناك حد يقف أمام العقل في ابتكار المعاني الرياضية ، وفي الكشف عن العلاقات ، وتوظيفاتها ، وهي حرية لا يحدها سوى أمر واحد هو الوقوع في التناقض . وهذا ما يؤدي إلى الخطأ أو فساد النسق الاستدلالي


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية؟

قارن بين العلم والفلسفة (خاصة بالعلميين واللغات)

هل معيار الحقيقة العمل النافع أم تأمل الإنسان لعالمه الداخلي؟