هل العنف أمر مشروع؟


هل العنف أمر مشروع؟
  لا شك أن الطبيعة البشرية معقدة التكوين ،فالإنسان من جهة عطوف متسامح  ذلك أن التسامح قيمة أخلاقية سامية أساسها العفو والرحمة ومن جهة أخرى عنيف متسلط  فالعنف مبني على استعمال القوة والقهر للضغط على إرادة الغير لهذا اختلف الفلاسفة حول  مشروعية العنف فالبعض منهم يعتقد أنه سلوك مشروع أما البعض الآخر فيعتقد أنه سلوك غير مشروع ولتهذيب هذا التعارض الموجود بين الموقفين نتساءل هل العنف سلوك مبرر أو لا ؟
   يرى أنصار هذا الموقف وخاصة سيغموند فرويد  وكارل ماركس  وانجلز أن  العنف سلوك مبرر وبالتالي فهو أمر مشروع .
وقد دعموا موقفهم هذا بعدة حجج منها
·        تأكيد فرويد أن العنف نتيجة لعملية الكبت فالضغط الاجتماعي يتحول نفسيا إلى كبت لدى الفرد ليعود في شكل سلوك عدواني ضد ما يعتبره المسؤول عن معناته حيث يقول "سيغموند فرويد" "الإنسان كائن يتحتم عليه أن يضع في حساب معطياته نصيبا كبيرا من العدوانية كإحدى تجليات الممارسة العنيفة " .
·        - العنف وسيلة لاسترجاع الحقوق المغتصبة وتغيير الأوضاع ويكون هذا بالقضاء على الطبقية  وتحقيق العدل  والمساواة حيث يرى كل من "ماركس" و   "إنجليز"، "العنف يولد مجتمعا جديدا"
-كما أكد  هرقليطس قديما  أن  العنف أصل حركة العالم وبنائه ويعبر عنه بصراع الأضداد لهذا يقول :"إن القتال هو أبو سائر الأشياء وملك كل شيء"" فصراع الأضداد قانون طبيعي بمقتضى أن النقيضين لا يجتمعان ، وبحكم أن الشيء  يميل إلى مثله وينفر من ضده وبتعبير كليكلاس :"إذا كان القوي في الطبيعة هو الذي يسيطر فإنه من العدل أن يكون الأمر كذلك في المجتمع الإنساني ..."
وهذا ما أكده أيضا ميشال فوكو بقوله:"إن الأقوى ماديا هو الذي يفرض حقيقته ولو كانت كاذبة "
·         
 لكن أنصار هذا الموقف قد بالغوا عندما اعتبروا أن العنف سلوك مبرر  ذلك إن الإنسان يتميز عن سائر المخلوقات  بالعقل و  تحكمه شريعة القانون لا شريعة الغاب مما يجعله مسؤول عن أفعاله .
أنه يجب رفض العنف لأنه يؤدي إلى انتشار الآفات الاجتماعية والإجرام .
        يرى أنصار الموقف الثاني  وخاصة  كانط ،ايريك فروم ،غاندي أن العنف لا يمكن تبريره وبالتالي فهو سلوك غير مشروع .
وقد دعموا موقفهم هذا بعدة حجج منها
 -من الناحية الأخلاقية يعتبر اللاعنف يعبر عن النظرة السامية للإنسان الذي يجب أن يعامل غيره كغاية لا كوسيلة  لذلك يقول كانط :"اعمل دائما بحيث تعامل الإنسانية في شخصك وفي أشخاص الآخرين كغاية لا كمجرد وسيلة "
-أن  العنف ليس قدر محتوم على الإنسان بل هو نتيجة لأسباب معينة  وهذا ما أكده ايرك فروم عندما بين أن الحيوانات لا تكون عدوانية إلا بقصد الحصول على طعامها أو الحفاظ على حياتها في حال الهجوم عليها وبذلك فالعنف في هذه الحالة نتيجة وليس سببا .
-أن العنف لا يولد إلا العنف وهذا بدوره لا ينتج إلا الدمار وعدم الاستقرار وعليه فإن اللاعنف هو أسلوب محاربة الشر دون تغذيته لهذا يقول غاندي :"فاللاعنف هو قانون الجنس البشري ،كما أن العنف هو قانون البهيمة "
لكن أنصار هذا الموقف قد بالغوا بدورهم ذلك أنه -لا يمكن اعتبار اللاعنف السلوك الأنجع لمحاربة الفساد والشر لأن اللاعنف قد يكون ذريعة لبعض النفوس الماكرة لنشر قوتهم ،كما قد يكون تنازل عن حقوق الأفراد وممتلكاتهم .
وهذا ما يقتضي ويستلزم استعمال العنف من أجل استرجاع الحقوق المسلوبة .

   يرى أنصار الموقف التركيبي التوفيقي بأنه يجب الأخذ بمنطق الاعتدال من حيث هو منطق يجعل من العنف والتسامح مبدأين مشروطين  وغير مطلقين حتى لا يتحول الأول إلى ظلم وسلب لحقوق الآخرين ولا يتحول الثاني إلى خذلان وتقاعس في رد الحقوق لأصحابها وفي هذا ضمان لكرامة الانسان من جهة وتحقيق الانسجام الاجتماعي من جهة أخرى .
    إلا أن الرأي الصحيح هو الذي يرى بأن العنف مرفوض وغير مشروع مهما كانت المبررات لأنه ليس الوسيلة الأفضل لاعتدال سلوك الانسان وبالتالي فإن سلبياته أكثر من ايجابياته فالعنف لا يولد إلا العنف .فالحوادث التاريخية تؤكد بأن الجزائر استطاعت القضاء على العنف بفضل مبدأ التسامح
  في الأخير نستنتج بأن الحكمة تقتضي التوازن بين العنف والتسامح وهو توازن قائم في الذات الانسانية من حيث أنها تميل إلى منطق الوسطية الذي أقرته الشريعة الاسلامية وعليه فإن أحسن وسيلة للحد من العنف هو التكامل الموجود بين العنف والتسامح وذلك حسب كل حالة .

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية؟

قارن بين العلم والفلسفة (خاصة بالعلميين واللغات)

هل معيار الحقيقة العمل النافع أم تأمل الإنسان لعالمه الداخلي؟