علاقة العلم بالفلسفة

إن الانسان في تفاعله مع العالم الخارجي يحتاج إلى مجموعة من الآليات المنهجبة التي يستطيع من خلالها البحث عن حقائق الموضوعات التي تهمه في حياته اليومية،إذ تواجهه الكثير من القضايا التي تثير فيه الدهشة والإحراج باعتبارها قضايا إنفعالية يختص بها مجموعة محدودة من الناس الذين يملكون آليات منهجية للتفكير تميز تفكيرهم عن التفكير العادي وهذا ما نسميه بالتفكير النقدي حيث يحاول المشتغل بميدان الفلسفة وميدان العلم الانطلاق في إدراك العالم الخارجي الذي يتحدد كموضوعات ميتافيزيقية وفيزيقية على حسب الميدان الذي يصدق عليه هدف التفكير،من هنا يمكننا الكلام على جدلية العلم والفلسفة ليس من المنظور السجالي بقدر اننا سنحاول ضبط العلاقة الموجودة بينهما، من حيث أوجه التشابه والاختلاف لنستنتج إذا ماكانت هناك علاقة بينهما.

يحاول كل من العالم والفيلسوف طرح قضاياهم على شكل تساؤلات نقدية بهدف استقراء الحقيقة فالفيلسوف يحاول الكشف عن العلل الاولى للمواضيع الفلسفية التي نجد أن طبيعتها الميتافيزيقية في حقيقتها منذ نشأة الفلسفة عند اليونان انبجست عنها مجموعة من المباحث الفلسفية من بينها مبحث الوجود الذي حاول الفلاسفة الطبيعيون تقديم نظرة ابعد عن التفكير الخرافي بإرجاع أصل الوجود إلى عناصر مادية وأخرى معنوية على حسب رؤية كل فيلسوف،ثم نجد مبحث المعرفة الذي حاول فيه الفلاسفة سواء الاتجاه العقلي والمثالي أو الحسي تقديم إجابة عن أصل المعرفة،ومبحث القيم الذي يبحث فيه الفيلسوف عن ما ينبغي ان يكون عليه الشيء،مثل: مبحث المنطق الذي نبغ فيه أرسطو بتأسيسه للمنطق الصوري الأرسطي الذي هو عبارة عن مجموعة من القواعد الصورية التي تعصم الذهن من الوقوع في الخطأ وهذه القواعد ممثله في :مبحث الحدود والتصورات،ومبحث الاحكام والقضايا ومبحث الاستدلال.كذلك قام اليونان بالبحث عن الخير والشر من خلال مبحث الأخلاق ومبحث الجمال الذي يهتم بالجميل والقبيح.

أما العالم فيبحث عن الأسباب الكامنة وراء الظواهر الطبيعية حيث حاول فرنسيس بيكون تأسيس المنهج التجريبي متجاوزا المنهج الارسطي القديم ،واعتبر بيكون أن:"الطبيعة عبارة عن كتاب مفتوح يجب قراءته قراءة علمية" وهذه دعوة إلى ضرورة الانتقال من التفكير الفلسفي إلى التفكير العلمي والعلم له جانب منطقي يتمثل في المنطق الاستقرائي باعتبار الاستقراء عملية عقلية استدلالية تهتم بانطباق الفكر مع الواقع وذلك بالانتقال من الجزء إلى الكل والاستقراء نوعان :

إستقراء تام : وفيه يستطيع العالم احصاء جميع عناصر الظاهرة المراد دراستها ثم يعمم .كقولنا:

الإنسان كائن حي يتنفس

النبات كائن حي يتنفس

الحيوان كائن حي يتنفس

إذن جميع الكائنات الحية تتنفس

واستقراء ناقص: وفيه لا يستطيع العالم احصاء جميع عناصر الظاهرة المراد دراستها،بل يكتفي بدراسة البعض من عناصرها فقط ثم يعمم ذلك كقولنا:

الحديد معدن يتمدد بالحرارة 

النحاس معدن يتمدد بالحرارة 

الذهب معدن يتمدد بالحرارة

إذن جميع المعادن تتمدد بالحرارة

وهنا نجد ان العالم يعتمد في عمومه على الاستقراء الناقص.

اما العملية الاجرائية في العلم فتتمثل في منهجه التجريبي الذي يتكون من مجموعة من الخطوات المنهجية وهي:الملاحظة والفرضية والتجربة ثم القانون العلمي.

لكن القانون العلمي يفرز لنا نتائجا على شكل معرفة علمية وهي في حقيقتها قد تفرز قضايا فلسفية عندما تتقاطع مع إحدى المباحث الفلسفية،حيث افرزت النتائج العلمية في ميدان البيولوجيا قضايا اخلاقية خصوصا في المجال البيوطبي وكلها متعلقة بقضية الحياة الإنسانية وطبيعة الجسم البشري فمثلا:قضية الإجهاض والقتل الرحيم والاستنساخ وزراعة الخلايا الجذعية ...وغيرها من النتائج والطموحات العلمية والطبية أدت إلى ظهور مبحث فلسفي يعالج هذه القضايا باعتبارها إشكاليات فلسفية كلية وإنسانية تهدد البشرية وهو مبحث البيوإتيقا Bioethics-Bioéthique حيث يعمل على مراجعة الجانب الاخلاقي في العلم او أخلقة العلم،ومراجعة المعايير الأخلاقية التي تجاوزها البيولوجيون والأطباء في ممارساتهم غافلين عن الحقوق والواجبات والاخلاق ....

وكمثال ثان على ذلك نجد في سنة 2020 أن فيروس الكورونا الذي يصطلح عليه بـCovid 19 هو موضوع علمي متعلق بحياة الإنسان،لكنه من ناحية أخرى يدفع بالفيلسوف إلى البحث عن الجانب الميتافيزيقي فيه وهو مصير الوجود الإنساني وحوكمة العلم اخلاقيا لأن المخابر أيضا مسؤولة عن جزء من هذا الوباء،وأيضا ما يعانيه المرضى والأطباء وتغير حياة الناس اجتماعية ونفسيا واقتصاديا وسياسيا وحتى عالميا هي إشكالية فلسفية تحتاج إلى مراجعة مستقبل البشرية.

وانطلاقا من هذا الطرح لا يمكن الفصل بين العلم والفلسفية فتساؤلاتهما الانفعالية التي تتحول إلى مشكلات علمية او غشكاليات فلسفية تخدم بعضها البعض وذلك في إطار هدف واحد وهو تقديم إجابات حول حقيقة العالم الخارجي والحفاظ على التقدم الإنسانتي واستمراريته .




تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل معيار الحقيقة العمل النافع أم تأمل الإنسان لعالمه الداخلي؟

السؤال:برر الأطروحة القائلة أن:"الرياضيات مطلقة"

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية؟