إمكانية معرفة الغير


  "إما أنا أو الآخر، علينا أن نختار بينهما، هكذا قيل. غير أننا نختار الواحد ضد الآخر، ونؤكد حينئذ النزاع . فيحوّلني الآخر إلى موضوع ثم ينفيني، وأنا بدوري أحول الآخر إلى موضوع ثم أنفيه، هكذا قيل . لكن نظرة الآخر لا تحولني في حقيقة الأمر إلى موضوع ، كما أن نظرتي لا تحول الآخر إلى موضوع إلا إذا انسحب كل منا داخل طبيعته المفكرة وأضحى كل منا نظرة لا إنسانية بالنسبة إلى الآخر، إلا إذا أحس كل منا بأفعاله ، لا من حيث أن الآخر يستعيدها ويفهمها، بل من حيث هو يلاحظها كما لو كانت أفعال حشرة. هذا ما يحصل مثلا عندما يسلط علي نظر شخص مجهول . 
غير أن الإحساس بوطأة موضعة كل واحد منا بفعل نظرة الآخر، هذا الإحساس لا يصبح ممكنا في هذه الحالة إلا لأنه يحل بدل تواصل ممكن . إن نظرة كلب إلي لا تحرجني البتة. فرفض التواصل هو كذلك ضرب من التواصل. إن الحرية التي تتخذ شتى الأشكال ، والطبيعة المفكرة، وهوية الشخص التي لا يشاركه فيها أحد، والوجود الذي لا قيمة له ولا معنى، كل هذا يرسم لدي ولدى الآخر حدود كل تعاطف ، ويعلق التواصل فعلا، لكن لا يقضي عليه . 
فان كان الأمر يتعلق بشخص مجهول لم ينطق بعد تجاهي بكلمة واحدة ؛ يبقى بوسعي الاعتقاد أنّه يعيش في عالم مغاير لعالمي ، عالم لا تستحق فيه أفعالي ومشاعري أي مكان . لكن يكفي أن ينطق بكلمة أو أن تصدر عنه حركة تنم عن نفاد صبره حتى يكف عن الاستعلاء علي . ذلك إذن هو صوته ، وتلك هي أفكاره . ذلك هو إذن المجال الذي كنت أعتقد أنّي لا أطاله . إن أي كائن [ إنساني ] لا يستعلي على الكائنات [ الإنسانية ] الأخرى بشكل نهائي إلاّ متى ظل عاطلا وجاثما على اختلافه الطبيعي 
                                                                       موريس مرلوبونتي، في " ظاهراتية الإدراك " 
أكتب مقالا فلسفيا تعالج فيه مضمون النص

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية؟

قارن بين العلم والفلسفة (خاصة بالعلميين واللغات)

هل معيار الحقيقة العمل النافع أم تأمل الإنسان لعالمه الداخلي؟