الغيرية


"كل شيء فينا ينتمي للإنسانية، وكل شيء يأتينا منها:الحياة، والثروة، والموهبة، والمعارف، والحنان(...) وهكذا، فعندما تختزل النزعة الوضعية كل الأخلاق الإنسانية في فكرة واحدة هي إن يحيى الإنسان من أجل غيره، فان هذه النزعة تهدف إلى تهذيب الغريزة البشرية الكونية وتسييجها؛ بعد إن تم الارتقاء بالفكر النظري البشري وتتزاوج كل الترتيبات الذهنية اللاهوتية والميتافيزيقية(...) لا يمكن للإنسان الأكثر مهارة وفِطنة ونشاطا أن يرد للإنسانية ولو جزءا صغيرا مقابلة م تلقاه منها.يستمر الإنسان،كما كان في طفولته,يتغذى بالإنسانية,و يتلقى الحماية من الآخرين، ويطور قدراته داخلها(...) وذلك كله بفضل الإنسانية عليه(...) لكن وبدل أن يتلقى كل شيء منها بواسطة آبائه، تنقل الإنسانية له خيراتها عبر فاعلين متعددين غير مباشرين، لن يتعرف على الكثير منهم.
أن يحيا الإنسان من اجل الغير يعني إذن، عند كل واحد منا واجبا ضروريا ومستمرا ينبثق عن هذه الواقعة المتعذر تجاوزها وهي: أن يحيا الإنسان بفضل الغير. أنها، وبدون حماس عاطفي، النتيجة الضرورية المستخلصة من تقدير دقيق لمجريات الواقع المدرك فلسفيا في مجموعه(...) علاوة على ذلك يجب أن يقوم انسجاما أخلاقيا، وبصفة جوهرية على الغيرية، فهي وحدها القادرة أن تزودنا بأعظم زخم الحياة. إن الكائنات البشرية المنحطة هي التي تطمح اليوم أن تحيى بفضل الغير يجب عليها أن تتخلى عن أنانيتها الهمجية. فإذا ما تذوقت هذه الكائنات بما فيه الكفاية ما تفضلت بتسميته ملذات الوفاء سيفهمون آنذاك أن الحياة من أجل الغير تمنح الوسيلة الوحيدة لتطوير كل الوجود البشري بحرية (...)

وحدها دوافع التعاطف الإنسانية تصنع الانطلاقة الحقيقية الثابتة لحياة من أجل الغير، حياة يَجِد فيها كل واحد من الأفراد المجتمع مساعدة من طرف الآخرين، لكن و مقابل هذه المساعدة,يقوم هؤلاء بكبح ميولات الفرد الشخصية و الأنانية."
أوغست كونت

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل معيار الحقيقة العمل النافع أم تأمل الإنسان لعالمه الداخلي؟

السؤال:برر الأطروحة القائلة أن:"الرياضيات مطلقة"

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية؟