هل توجد علاقة بين السؤال والمشكلة؟
 يحتاج الإنسان في تفاعله مع العالم الخارجي إلى آليات تمكنه من الوصول إلى الحقيقة،ذلك ان الإنسان منذ وجوده وهو يتطلع إلى البحث عن ماهية هذا العالم،ولكي يصل إلى مبتغاه عليه بطرح الأسئلة  و هذه الأخيرة إذا مااستعصت عن الحل يجد  نفسه أمام مشكلات ،ولكي نفهم معنى كل من هذين المفهومين،نطرح السؤال التالي ماطبيعة العلاقة بين السؤال والمشكلة ؟هل هي علاقة اتصال أو انفصال ؟وبالتالي هل هي علاقة تماثل أو تمايز ؟
يوجد اختلاف بين السؤال والمشكلة وذلك من خلال تعريف كل منهما
فالسؤال يعرف  على أنه  سأل يسأل سؤالا والسؤال هو الطلب والالتماس أو هو استدعاء المعرفة وهو على عدة أنواع منها -الأسئلة البسيطة: وهي أسئلة تتحكم في الإجابة عنها العادة (المألوف) والحفظ، والإجابة عنها سهلة وبسيطة ولا تثير قلقا ولا دهشة ولا تحتاج إلى جهد كبير مثل ما إسمك ؟
متى إستقلت الجزائر ؟
أما الأسئلة العلمية فهي أسئلة تتحكم فيها المعطيات العلمية التي اكتسبها الإنسان، مثل: ما مفهوم الجاذبية؟
كما نجد الأسئلة العملية وهي التي تقحمنا في وضعيات عملية محرجة تدعونا إلى إعمال الفكر للبحث عن مخرج مناسب.
مثال تلميذ يتذكر أنه نسي كتابه الذي الح الأستاذ على ضرورة إحضاره  فما عساه أن  يفعل ؟
واخيرا نجد الأسئلة الانفعالية تلك  تثير التوتر النفسي والعقلي، وتقحمنا في قضايا دينية واجتماعية وفلسفية، وهي قضايا لا تحلها العادة ولا المألوف ولا المحفوظ الجاهز مثل هل العلاج الجيني حلال ام حرام ؟
أما  المشكلة فهي " عند "علماء اللغة" "الأمر الصعب أو الملتبس، أي القضية المبهمة التي يصعب إدراكها ولا يتوصل فيها إلى حل يقيني".-أما من الناحية الإصطلاحية فلها معنيين
 المعنى الأول: هي "المسألة التي تحتاج إلى حل بطرق علمية استدلالية"
 المعنى الثاني: هي "كل ما يصعب على الشرح والحل"-أما من "الناحية الفلسفية" هي "مسالة فلسفية يحدها مجال معين حيث يحصر الموضوع ويطرح طرحا فلسفيا".

لذلك يقول "جون ديوي " : "إن التفكير لا ينشأ إلا إذا وجدت مشكلة " مثال ذلك :هل يصح القول بأن لكل سؤال جوابا ؟
    وتتصف المشكلة بانها قضية جزئية تساعدنا على فهم الإشكالية وهي أقل اتساعا من الإشكالية .كما أنها متعددة المجالات كقولنا مشكلات اقتصادية ،سياسية ،اجتماعية ،فلسفية ....الخ
-         أما من حيث الإثارة النفسية فهي تؤدي اضطراب وهو عبارة عن دهشة وحيرة .

كما يختلف السؤال عن المشكلة  كون أن السؤال يطرح من طرف كل الناس مهما كان مستواهم العلمي أو الاجتماعي أو العمري،لأنه الوسيلة التي تمكنهم من الحصول إلى  مبتغاهم مثل الأسئلة المبتذلة والأسئلة اليومية، حيث يقول فيدجنشتين:«...إن اللغز غير موجود فإذا طرح السؤال بشكل سليم فإنه يمكن أن يجد له جواب بشكل سليم»
في حين أن المشكلة لا يثيرها سوى أهل الاختصاص أو خاصة الناس كالعلماء والفلاسفة لأنها تثير فيهم الدهشة والتوتر العقلي،لهذا كانت الاجابة على المشكلات التي يثيرها العلماء والفلاسفة تحتاج إلى وقت للإجابة عنها لأنها ذات مستوى عال،حيث يقول جيل دولوز: «...ويكون للمشكل الحل الذي يستحق حسب الحقيقة والخطأ اللذين يخصانة، أي بحسب معناه»
إن أوجه الاختلاف لا تمنعنا من تحديد نقاط  التشابه بين السؤال والمشكلة أهمها:
كلاهما وسيلة للبحث عن الحقيقة سواء كانت بسيطة متعلقة بمتطلبات الحياة اليومية أو معقدة مرتبطة بمجالات المصير الانساني كالاقتصاد والأبحاث العلمية،فهما يمكنان الإنسان من الوصول إلى إجابات لكل ما يختلج في ذهنه من تساؤلات.كما أنهما عبارة عن ترجمة للفكر الذي يحتاج إلى لغة ومنهجية تترجم الغاية التي يسعى إليها العقل،لهذا عرف كارل ياسبرس الفلسفة بقوله: «...الفلسفة ليست امتلاك الحقيقة وإنما هي السعي وراء الحقيقة ليتحول كل جواب إلى سؤال» ومعنى ذلك أن الحقيقة التي يسعى وراءها الإنسان يجب أن تتحول إلى سؤال سواء كان بسيطا أو إنفعاليا، سؤال مبتذل أو مكتسب أو إنفعالي،حيث يتحول هذا الأخير إلى مشكلة،لأن الأهم في طرح الأسئلة هي تمكين الفكر من التواصل مع العالم الخارجي وإدراكه في امتلاك حقائق توافق الملكة النقدية للإنسان، حيث يقول آلان جورانفيل :"...إن السؤال يفترض مسبقا شكا في الجواب باعتباره معرفة...إن السؤال الفلسفي هو تساؤل وليس مجرد سؤال".

إن أوجه الاختلاف وأوجه التشابه لا تمنعنا من تحديد العلاقة الموجودة بين السؤال والمشكلة وهي أنه توجد علاقة تداخل بين السؤال والمشكلة ، فالسؤال يتحول إلى مشكلة إذا أثار قضية مستعصية الحل،كما أن المشكلة قد تنطوي على سؤال إذا ما عبرنا عنها بصيغة استفهامية كقولنا:هل يمكن تطبيق الديمقراطية في الوطن العربي؟
لكن ليس كل  سؤال هو مشكلة بالضرورة ذلك أن الأسئلة المبتذلة يمكن الاجابة عنها لأنها محكومة بالعادة والمألوف،عكس المشكلة التي تمتاز بالانفعال لأن قضاياها غامضة وتحتاج إلى قدرات مضاعفة من التفكير والتأمل والبحث.ويقول كارل ماركس:«...إن الإنسانية لا تطرح من المشكلات إلا ما هي قادرة على حله»
كما ان المشكلة لا تطرح دائما في صيغة استفاهية بل قد تكون عبارة عن وضعية مشكلة
وفي اعتقادي الشخصي  أن العلاقة الموجودة بين السؤال والمشكلة هي علاقة تداخل إذ السؤال يتحول إلى مشكلة كلما اتسع مجال الفكر عندما نحول قضايا الحياة اليومية إلى قضايا علمية أو فلسفية، كما أن المشكلة تتحول إلى سؤال عندما نحاول ترجمتها إلى تساؤل اسفهامي.
في الأخير نستنتج أنه يوجد بين كل من السؤال والمشكلة علاقة تداخل وتكامل وظيفي ولا يمكن الفصل بينهما،فعلى الرغم من التباين الاصطلاحي والمفهومي إلا أنه لا يمكننا الفصل بينهما لمدى تلاحم وظيفتهما معا في تمكين الفكر من البحث عن الحقيقة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية؟

قارن بين العلم والفلسفة (خاصة بالعلميين واللغات)

هل معيار الحقيقة العمل النافع أم تأمل الإنسان لعالمه الداخلي؟