هل لكل سؤال جواب؟


هل لكل سؤال جواب؟
       يعتر التفكير الجوهر الذي يمتاز به الإنسان كونه يملك عقلا يستطيع طرح تساؤلات حول هذا العالم بهدف معرفة حقائقه وأسراره ، حيث ضبط السؤال بأنه طلب الجواب وامتلاكه، غير أن هذا الطرح أحدث جدلا بين الفلاسفة الذين انقسموا إلى رأيين، فالرأي الأول يؤكد على أنه بإمكاننا الحصول على الجواب الذي يتبع كل سؤال، أما الرأي الثاني فيدحض هذا الرأي مؤكدا على أنه لايمكننا الحصول على جميع الاجابات المطلوبه من طرف الأسئلة، ولتهذيب هذين الرأيين سنثير التساؤل التالي: هل كل ما نتساءل عنه يمكن الاجابة عليه؟ وبعبارة أخرى : هل يفترض كل سؤال الاجابة عنه بالضرورة أم لا؟
      يرى أنصار الموقف الأول أن كل سؤال يمكن الاجابة عنه بالضرورة ويمثل هذا الموقف كل من لودفيغ فيدجنشتين، جيل دولوز وقد اعتمدا على مجموعة من الحجج لتبرير موقفهم أهمها:
ما دام أن الأسئلة أنواع وأصناف فإن طبيعتها تحدد لنا نوع الاجابة ذلك أن الأسئلة المبتذلة التي تواجهنا في حياتنا اليومية لا تثير فينا قلقا ولا إحراجا وبالتالي يمكننا الاجابة عنها لأنها تتحكم  فيها العادة والمألوف، كذلك الأسئلة المكتسبة أو العلمية يمكن الاجابة عنها عن طريق التعلم والاكتساب مثل: ما موضوع الفيزياء؟ ، مما يتركب الماء حيث يؤكد جيل دولوز على هذه الحجة بقوله:"...ويكون للمشكل الحل الذي يستحق حسب الحقيقة والخطإ اللذين يخصانة، أي بحسب معناه." كذلك لو كان الإنسان لايستطيع الاجابة عن تساؤلاته لما أتعب الفلاسفة والعلماء أنفسهم بالبحث عن حلول للمشكلات التي تواجه الانسانية ولما تمكن الإنسان من التقدم الحضاري وبالتالي إذا كان السؤال سليما من الناحية اللغوية والمنطقية أمكن الاجابة عنه لهذا يقول فيدجنشتين:"...إن اللغز غير موجود فإذا طرح السؤال بشكل سليم فإنه يمكن ـن يجد له جواب بشكل سليم".


    يرى انصار الموقف الثاني أنه لا يمكن الاجابة عن جميع الأسئلة ويمثل هذا الموقف كل من كارل ياسبرس، آلان جورانفيل ، وقد اعتمدا على مجموعة من الحجج لتبرير موقفهم أهمها:
أن الأسئلة الانفعالية ليست أسئلة ساذجة أو بسيطة ، على إعتبار أن السؤال الذي يتحول إلى مشكلة أو إشكالية لا يمكن الاجابة عنه بإجابة محددة لأنه يتعلق بحياة الإنسان ومصيره، كما أن ملكة الإنسان الشكية تجعله لا يقتنع بإجابة واحدة مثل: ما هي التربية؟ هل الإنسان حر أم مقيد؟ لهذا يقول آلان جورانفيل :"...إن السؤال يفترض مسبقا شكا في الجواب باعتباره معرفة...إن السؤال الفلسفي هو تساؤل وليس مجرد سؤال". كذلك فالأسئلة التي تثير فينا الدهشة والإحراج هي تساؤلات فلسفية كبرى تعالج قضايا إنسانية وبالتالي تفرض على الفيلسوف تقديم اقتراحات فقط كحل لأزمة فلسفية إنسانية، كما ان الفلسفة باعتبارها منهجية البحث عن الحقيقة فهي تدفع البحث عن الحقيقة وليس امتلاك إجابات عنها لأن الإنسان يحتاج دوما إلى التجديد حيث يعبر كارل ياسبرس عن هذا الرأي بقوله:"...إن الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة".

لقد بالغ انصار هذا الموقف فيما ذهبوا إليه من أنه ليس لكل سؤال جوابا بالضرورة ، غير ان بعض التساؤلات التي واجهت الإنسان يمكن الاجابة عنها ، ذلك أن الفلاسفة أجابوا عن المشكلات التي طرحت في عصرهم وبالتالي فلكل عصر مشكلاته الخاصة به وحلوله كما أن الاجابات عن المواضيع الفلسفية تبقى محل تأييد ورفض لأنها تحتاج إلى حجج لتبريرها.

         يرى أنصار الموقف التركيبي أن الأسئلة تحتاج إلى إجابات حتى وإن كانت مستعصية الحل وبالتالي تبقى التساؤلات الفلسفية دون إجابات لأنها تعالج قضايا إنسانية كبرى أما التساؤلات العلمية والرياضية والاقتصادية واليومية يمكن الاجابة عنها،وفي اعتقادي الشخصي  أن السؤال يفترض جوابا بالضرورة ولا يمكن تصور تساؤل دون إجابات ذلك أن الفيلسوف لو لم يشأ البحث عن الحقائق وامتلاك إجابات عن العالم الخارجي لما تساءل لأن الفلسفة تبحث عن الحقيقة من خلال التساؤلات ولها هدف وغاية ومنهج يوصلنا إلى كل ذلك وهذا ما استدل به جيل دولوز مؤكدا موقف كارل ماركس بقوله:"...إن الإنسانية لا تطرح من المشكلات إلا ما هي قادرة على حله ".

في الأخير نستنتج  أن السؤال في حقيقته يفترض إجابات غير أن ممارسته في أرض الواقع بهدف معالجة القضايا المتعلقة بالإنسان تجعله نسبيا من حيث إمكانية حله من عدمها ، وبالتالي يمكن التمييز بين الأسئلة العادية والعلمية التي يمكن الاجابة عنها وبين الأسئلة الفلسفية الكبرى التي تحتاج إلى حجج وبراهين من أجل عرضها.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل معيار الحقيقة العمل النافع أم تأمل الإنسان لعالمه الداخلي؟

السؤال:برر الأطروحة القائلة أن:"الرياضيات مطلقة"

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية؟