دافع عن صحة الأطروحة القائلة أن:"الديمقراطية هي النظام السياسي الأمثل الذي يعبر عن إرادة الشعوب".....بالتوفيق

      مقدمة: تعتبر السياسة من بين المفاهيم الفلسفية التي اهتم بها الفلاسفة عبر التاريخ لمدى حاجة المجتمعات إلى فهم الأسلوب الذي يمكنهم من بناء نظام سياسي ينظم لهم الشؤون الاجتماعية ويسهر على تشريع القوانين وحمايتها وتطبيقها في سبيل توفير العدالة الاجتماعية بين الناس، لهذا تعاقد الناس واتفقوا على نظام حكم معين،غير أنه قد شاع لدى بعض الفلاسفة أن إرادة الشعب لا يمكن التعبير عنها إلا من خلال نظام حكم فردي يكفل لهم حقوقهم، إلا أنه توجد أطروحة أخرى تناقضها والتي ترى أن إرادة الشعب لا يمكن التعبير عنها إلا من خلال نظام حكم جماعي يكفل لهم حقوقهم، وهي أطروحة تبدوا صحيحة وما دام طُلب من الدفاع عنها ، سنقوم بإثارة التساؤل التالي:  كيف يمكننا التأكيد على صحة الأطروحة القائلة أن:"الديمقراطية هي النظام السياسي الأمثل الذي يعبر عن إرادة الشعوب" وتبريرها بحجج جديدة؟
     منطق الأطروحة: يذهب منطق الأطروحة إلى أن الديمقراطية  هي النظام السياسي الأمثل الذي يعبر عن إرادة الشعوب وهذا ما ذهب إليه أنصار الاتجاه الديمقراطي، وقد انطلقوا من مجموعة من المسلمات أهمها: أن الديمقراطية كنظام سياسي يمكن الشعوب من التعبير عن حريتها السياسية والمشاركة فيها.
ولتبرير هذه المسلمة فقد انطلقوا من مجموعة من الحجج أهمها:
      يعتقد الفيلسوف البراغماتي الأمريكي جون ديوي أن الديمقراطية هي النظام الأمثل والأفضل الذي تحتمه الطبيعة الإنسانية لكي تنمو وتزدهر،فالطبيعة البشرية إذا ما تركت وشأنها وتحررت من كل قيد عليها من الخارج،اتجهت إلى إنتاج مؤسسات حرة تؤدي عملها على خير وجه، وأفضله، فالمؤسسات التي تحكم نفسها بنفسها (الحرية) هي خير الوسائل التي تحقق المساواة وتيسر للطبيعة البشرية قدرة ذاتية كاملة كما تتيح ذلك لأكبر عدد ممكن من الناس.
       كذلك أيد هذه الفكرة الفيلسوف الأمريكي والمفكر السياسي ذا الأصول اليابانية فرنسيس فوكوياما، أن الديمقراطية خصوصا في النموذج الليبيرالي هي حتمية تاريخية تعوض الأنظمة الاستبدادية والشمولية التي سقطت خلال القرن العشرين، ذلك أن الديمقراطية هي تجربة إنسانية جاءت بعد كفاح الإنسان وصراعه من أجل إثبات آدميته وكرامته وقيمته ومن هنا فالعقل البشري يفرضها والأخلاق تحتمها للمحافظة على إنسانية الإنسان وحريته.
       فالديمقراطية تهدف إلى تحقيق حرية الأفراد في المجتمع في إطار القانون بشتى الوسائل كتعدد الأحزاب وتأسيس الجمعيات وحرية الصحافة وحرية العبادات،وبالتالي يكون للجميع الحق في التطلع إلى الحكم والتعبير عن آراءه السياسية والمشاركة والمساهمة في بناء دولته لهذا قال حازم الببلاوي في كتابه "عن الديمقراطية الليبيرالية قضايا ومشاكل" ما نصه:"...إن الديمقراطية الليبيرالية تعني(...) الإعتراف بحق الجميع في التطلع إلى الحكم". كما لخص جون ديوي قيمة الديمقراطية بقوله:"...النظام الديمقراطي هو النظام الأمثل والأفضل الذي تحتمه طبيعة الإنسان لكي تنمو وتزدهر"
خصوم الأطروحة ونقدهم:
      لهذه الأطروحة خصوم وهم الفلاسفة الذين يعتقدون أن الديمقراطية ليست هي النظام السياسي الأمثل الذي يعبر عن إرادة الشعوب بل توجد أشكال أخرى من أنظمة الحكم مثل نظام الحكم الملكي الذي اتخذ عبر التاريخ شكلين مطلق ودستوري، حيث يعتقد أصحاب نظرية العقد الاجتماعي أن الأفراد قد تعاقدوا واتفقوا على اختيار نظام سياسي يحفظ لهم حقوقهم وبحبها وذلك من خلال تنازلهم عن بعضها لحاكم أو دولة قوية لها كافة السلطات والحقوق مقابل توفير لهم الأمن والعدالة الاجتماعية،وهذا ما تجسد من خلال نظام الحكم الملكي باعتبارها نظاما من اختيار الشعب،حيث يقول هوبز:"...وأنا أعتقد أن السبيل الوحيد لذلك هو أن يمنحوا كل سلطتهم وقوتهم لفرد واحد منهم"
كما يرى جون لوك أن النظام الملكي هو نظام حكم  يكفل حقوق الأفراد الخاصة لأنها تقوم على سلطة عامة تقوم بوظائفها من خلال الدستور فيصبح الملك يملك ولا يحكم بالمنظور الاتفاقي الجديد حيث أن إرادة الشعب فرضت ضرورة الانتقال من نظام حكم ملكي مطلق إلى نظام حكم ملكي دستوري قائم على هيئة تسعى إلى تحقيق العدالة وتطبيق القانون وتكفل حقوق مواطنيها حيث يقول:"...وعلى ذلك فإن الحكم المطلق الذي يقبض فيه أفراد قليلون على كافة السلطات لا يمكن أن يقوم بجنبه مجتمع مدني وبالتالي لا يأخذ شكل الحكومة المدنية".
    لكن منطق الخصوم قد تعرض لمجموعة من الإنتقادات أهمها: أن نظام الحكم الملكي هو عبارة عن نظام حكم وراثي ولا يعبر عن إرادة الشعب بالمفهوم التشاركي، والتطلع إلى الحكم من حق جميع المواطنين الذين تتوفر فيهم الشروط السياسية والمدنية والقانونية،لأن النظام الملكي يعبر عن إرادة الفرد الذي يحكم فقط، إذ لا توجد فيه مقومات التداول على السلطة أو التجديد، حتى وإن أراد المجتمع التعبير عن آراءه السياسية فلا يمكنه ذلك، عكس نظام الحكم الديمقراطي الذي يعني حكم الشعب وبالتالي يراعي المشاركة والمساهمة السياسية والتطلع إلى الحكم باحترام الأفكار ومشاركتها.
      يمكننا الدفاع عن صحة الأطروحة السابقة بعدة حجج أهمها:
أن التاريخ السياسي يؤكد على أن المجتمعات لم تستقر على نظام حكم معين، لأن تلك الأنظمة كانت استبدادية من حيث قمعها للحقوق ومطالبتها بأداء الواجبات فقط ،لهذا شهدت الدول الكثير من الثورات التي عصفت بأنظمتها السياسية ومهدت لظهور أنظمة حكم جديدة تعبر عن إرادتها مثل قيام الجمهورية الفرنسية وسقوط النظام الملكي فيها، كما قامت الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل توحيد المجتمع الأمريكي والقضاء على الصراعات التقليدية و العنصرية وتحقيق المساواة وتنظيم مجتمع مدني يحكمه القانون ويمكننا الإستئناس بموقف المفكر السياسي الفرنسي ألكسيس دو توكفيل الذي يرى في  الديمقراطية نموذجا سياسيا يعبر عن إرادة الشعوب ويحقق الحرية والمساواة باعتبارهما عصب الديمقراطية.والثورة الديمقراطية في رأيه هي حتمية وظاهرة عالمية تهدف إلى تحقيق المساواة والعدالة وكسر الظلم والطغيان حيث يقول:"...إذا وجهنا أنظارنا إلى أية جهة، لا حظنا أن الثورة نفسها مستمرة في جميع أرجاء العالم(...) فنحن في كل مكان نرى الأحداث المختلفة في حياة الشعوب تنقلب لمصلحة الديمقراطية".
خاتمة: نستنتج من خلال التحليل السابق أن الأطروحة القائلة أن :"الديمقراطية هي النظام السياسي الأمثل الذي يعبر عن إرادة الشعوب"هي أطروحة صحيحة ويمكننا الدفاع عنها والأخذ بها وتكذيب خصومها ودحض منطقهم،لهذا قيل:"...الديمقراطية مذهب فلسفي ونظام للحكم".


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية؟

قارن بين العلم والفلسفة (خاصة بالعلميين واللغات)

هل معيار الحقيقة العمل النافع أم تأمل الإنسان لعالمه الداخلي؟